للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا نَعْلَمُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا فِي أَنَّ مِنْ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ فِي أَثْنَاءِ الصَّوْمِ، أَنَّهُ يَفْسُدُ صَوْمُهُ، وَعَلَيْهِ قَضَاءُ ذَلِكَ الْيَوْمِ، إذَا عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ. سَوَاءٌ أَسْلَمَ فِي أَثْنَاءِ الْيَوْمِ، أَوْ بَعْدَ انْقِضَائِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ رِدَّتُهُ بِاعْتِقَادِهِ مَا يَكْفُرُ بِهِ، أَوْ شَكِّهِ فِيمَا يَكْفُرُ بِالشَّكِّ فِيهِ، أَوْ بِالنُّطْقِ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ، مُسْتَهْزِئًا أَوْ غَيْرَ مُسْتَهْزِئٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} [التوبة: ٦٥] {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: ٦٦] . وَذَلِكَ لِأَنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ مِنْ شَرْطِهَا النِّيَّةُ، فَأَبْطَلَتْهَا الرِّدَّةُ، كَالصَّلَاةِ وَالْحَجَّ، وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ، فَنَافَاهَا الْكُفْرُ، كَالصَّلَاةِ.

[مَسْأَلَةُ مَنْ نَوَى الْإِفْطَارَ]

(٢٠٤٤) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَمَنْ نَوَى الْإِفْطَارَ فَقَدْ أَفْطَرَ) هَذَا الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، إلَّا أَنَّ أَصْحَابَ الرَّأْيِ قَالُوا: إنْ عَادَ فَنَوَى قَبْلَ أَنْ يَنْتَصِفَ النَّهَارُ أَجْزَأَهُ. بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمْ أَنَّ الصَّوْمَ يُجْزِئُ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ.

وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ حَامِدٍ أَنَّ الصَّوْمَ لَا يَفْسُدُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ يَلْزَمُ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهَا، فَلَمْ تَفْسُدْ بِنِيَّةِ الْخُرُوجِ مِنْهَا، كَالْحَجِّ. وَلَنَا أَنَّهَا عِبَادَةٌ مِنْ شَرْطِهَا النِّيَّةُ، فَفَسَدَتْ بِنِيَّةِ الْخُرُوجِ مِنْهَا، كَالصَّلَاةِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ اعْتِبَارُ النِّيَّةِ فِي جَمِيعِ أَجْزَاءِ الْعِبَادَةِ، وَلَكِنْ لَمَّا شَقَّ اعْتِبَارُ حَقِيقَتِهَا اُعْتُبِرَ بَقَاءُ حُكْمِهَا، وَهُوَ أَنْ لَا يَنْوِيَ قَطْعَهَا فَإِذَا نَوَاهُ زَالَتْ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، فَفَسَدَ الصَّوْمُ لِزَوَالِ شَرْطِهِ. وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَامِدٍ لَا يَطَّرِدُ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ، وَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَى الْحَجَّ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ بِالنِّيَّةِ الْمُطْلَقَةِ وَالْمُبْهَمَةِ، وَبِالنِّيَّةِ عَنْ غَيْرِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ، فَافْتَرَقَا.

[فَصْلُ صَوْمُ النَّافِلَةِ]

فَصْلٌ: فَأَمَّا صَوْمُ النَّافِلَةِ، فَإِنْ نَوَى الْفِطْرَ، ثُمَّ لَمْ يَنْوِ الصَّوْمَ بَعْدَ ذَلِكَ، لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ انْقَطَعَتْ، وَلَمْ تُوجَدْ نِيَّةٌ غَيْرُهَا فَأَشْبَهَ مَنْ لَمْ يَنْوِ أَصْلًا. وَإِنْ عَادَ فَنَوَى الصَّوْمَ، صَحَّ صَوْمُهُ، كَمَا لَوْ أَصْبَحَ غَيْرَ نَاوٍ لِلصَّوْمِ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الْفِطْرِ إنَّمَا أَبْطَلَتْ الْفَرْضَ لِمَا فِيهِ مِنْ قَطْعِ النِّيَّةِ الْمُشْتَرَطَةِ فِي جَمِيعِ النَّهَارِ حُكْمًا وَخُلُوِّ بَعْضِ أَجْزَاءِ النَّهَارِ عَنْهَا، وَالنَّفَلُ مُخَالِفٌ لِلْفَرْضِ فِي ذَلِكَ، فَلَمْ تَمْنَعْ صِحَّتَهُ نِيَّةُ الْفِطْرِ فِي زَمَنٍ لَا يُشْتَرَطُ وُجُودُ نِيَّةِ الصَّوْمِ فِيهِ، وَلِأَنَّ نِيَّةَ الْفِطْرِ لَا تَزِيدُ عَلَى عَدَمِ النِّيَّةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَعَدَمُهَا لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّوْمِ إذَا نَوَى بَعْدَ ذَلِكَ، فَكَذَلِكَ إذَا نَوَى الْفِطْرَ، ثُمَّ نَوَى الصَّوْمَ بَعْدَهُ، بِخِلَافِ الْوَاجِبِ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ قَالَ: إذَا أَصْبَحَ صَائِمًا، ثُمَّ عَزَمَ عَلَى الْفِطْرِ، فَلَمْ يُفْطِرْ حَتَّى بَدَا لَهُ، ثُمَّ قَالَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>