للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَعْدَ التَّكْفِيرِ، كَالْحَجِّ، وَلِأَنَّهُ وَطْءٌ مُحَرَّمٌ لِحُرْمَةِ رَمَضَانَ، فَأَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ كَالْأَوَّلِ، وَفَارَقَ الْوَطْءَ فِي اللَّيْلِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مُحَرَّمٍ. فَإِنْ قِيلَ: الْوَطْءُ الْأَوَّلُ تَضَمَّنَ هَتْكَ الصَّوْمِ، وَهُوَ مُؤَثِّرٌ فِي الْإِيجَابِ، فَلَا يَصِحُّ إلْحَاقُ غَيْرِهِ بِهِ. قُلْنَا: هُوَ مُلْغًى بِمَنْ طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ وَهُوَ مُجَامِعٌ فَاسْتَدَامَ، فَإِنَّهُ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ، مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَهْتِكْ الصَّوْمَ.

[فَصْلُ أَصْبَحَ مُفْطِرًا يَعْتَقِدُ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ فَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِالرُّؤْيَةِ]

(٢٠٧١) فَصْلٌ: إذَا أَصْبَحَ مُفْطِرًا يَعْتَقِدُ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ، فَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِالرُّؤْيَةِ، لَزِمَهُ الْإِمْسَاكُ وَالْقَضَاءُ فِي قَوْلِ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ، إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ: يَأْكُلُ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ غَيْرَ عَطَاءٍ. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ ذَلِكَ رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ، وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا ذَكَرَهَا غَيْرَهُ، وَأَظُنُّ هَذَا غَلَطًا؛ فَإِنَّ أَحْمَدَ قَدْ نَصَّ عَلَى إيجَابِ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ وَطِئَ ثُمَّ كَفَّرَ ثُمَّ عَادَ فَوَطِئَ فِي يَوْمِهِ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْيَوْمِ لَمْ تَذْهَبْ، فَإِذَا أَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ عَلَى غَيْرِ الصَّائِمِ لِحُرْمَةِ الْيَوْمِ، فَكَيْفَ يُبِيحُ الْأَكْلَ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ هَذَا عَلَى الْمُسَافِرِ إذَا قَدِمَ وَهُوَ مُفْطِرٌ وَأَشْبَاهِهِ؛ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ كَانَ لَهُ الْفِطْرُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَهَذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ الْفِطْرُ فِي الْبَاطِنِ مُبَاحًا، فَأَشْبَهَ مَنْ أَكَلَ يَظُنُّ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ وَقَدْ كَانَ طَلَعَ.

فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا، فَإِنْ جَامَعَ فِيهِ، فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ، كَاَلَّذِي أَصْبَحَ لَا يَنْوِي الصِّيَامَ، أَوْ أَكَلَ ثُمَّ جَامَعَ. وَإِنْ كَانَ جِمَاعُهُ قَبْلَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ جَامَعَ يَظُنُّ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ وَقَدْ كَانَ طَلَعَ، عَلَى مَا مَضَى فِيهِ.

[فَصْلُ كُلُّ مِنْ أَفْطَرَ وَالصَّوْمُ لَازِمٌ لَهُ]

(٢٠٧٢) فَصْلٌ: وَكُلُّ مَنْ أَفْطَرَ وَالصَّوْمُ لَازِمٌ لَهُ، كَالْمُفْطِرِ بِغَيْرِ عُذْرٍ، وَالْمُفْطِرِ يَظُنُّ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ وَقَدْ كَانَ طَلَعَ، أَوْ يَظُنُّ أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَابَتْ وَلَمْ تَغِبْ، أَوْ النَّاسِي لِنِيَّةِ الصَّوْمِ، وَنَحْوِهِمْ، يَلْزَمُهُمْ الْإِمْسَاكُ. لَا نَعْلَمُ بَيْنَهُمْ فِيهِ اخْتِلَافًا. إلَّا أَنَّهُ يُخَرَّجُ عَلَى قَوْلِ عَطَاءٍ فِي الْمَعْذُورِ فِي الْفِطْرِ، إبَاحَةُ فِطْرِ بَقِيَّةِ يَوْمِهِ، قِيَاسًا عَلَى قَوْلِهِ فِيمَا إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِالرُّؤْيَةِ. وَهُوَ قَوْلٌ شَاذٌّ، لَمْ يُعَرِّجْ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ.

[فَصْلُ مَنْ يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا]

(٢٠٧٣) فَصْلٌ: فَأَمَّا مَنْ يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، كَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْمُسَافِرِ، وَالصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ، وَالْكَافِرِ، وَالْمَرِيضِ، إذَا زَالَتْ أَعْذَارُهُمْ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ، فَطَهُرَتْ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ، وَأَقَامَ الْمُسَافِرُ، وَبَلَغَ الصَّبِيُّ، وَأَفَاقَ الْمَجْنُونُ، وَأَسْلَمَ الْكَافِرُ، وَصَحَّ الْمَرِيضُ الْمُفْطِرُ، فَفِيهِمْ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، يَلْزَمُهُمْ الْإِمْسَاكُ فِي بَقِيَّةِ الْيَوْمِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ،

<<  <  ج: ص:  >  >>