للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الْقَضَاءِ، وَهُمَا يَقْدِرَانِ عَلَيْهِ.

قَالَ أَحْمَدُ: أَذْهَبُ إلَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. يَعْنِي وَلَا أَقُولُ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ فِي مَنْعِ الْقَضَاءِ.

[مَسْأَلَةُ عَجَزَ عَنْ الصَّوْمِ لَكَبَّرَ]

(٢٠٨١) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِذَا عَجَزَ عَنْ الصَّوْمِ لِكِبَرٍ أَفْطَرَ، وَأَطْعَمَ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الشَّيْخَ الْكَبِيرَ، وَالْعَجُوزَ، إذَا كَانَ يُجْهِدُهُمَا الصَّوْمُ، وَيَشُقُّ عَلَيْهِمَا مَشَقَّةً شَدِيدَةً، فَلَهُمَا أَنْ يُفْطِرَا وَيُطْعِمَا لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا. وَهَذَا قَوْلُ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَنَسٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَطَاوُسٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ.

وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ الصَّوْمَ لِعَجْزِهِ، فَلَمْ تَجِبْ فِدْيَةٌ، كَمَا لَوْ تَرَكَهُ لِمَرَضٍ اتَّصَلَ بِهِ الْمَوْتُ. وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ. وَلَنَا الْآيَةُ، وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِهَا: نَزَلَتْ رُخْصَةً لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ. وَلِأَنَّ الْأَدَاءَ صَوْمٌ وَاجِبٌ، فَجَازَ أَنْ يَسْقُطَ إلَى الْكَفَّارَةِ كَالْقَضَاءِ.

وَأَمَّا الْمَرِيضُ إذَا مَاتَ، فَلَا يَجِبُ الْإِطْعَامُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَجِبَ عَلَى الْمَيِّتِ ابْتِدَاءً، بِخِلَافِ مَا إذَا أَمْكَنَهُ الصَّوْمُ، فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى مَاتَ، لِأَنَّ وُجُوبَ الْإِطْعَامِ يَسْتَنِدُ إلَى حَالِ الْحَيَاةِ، وَالشَّيْخُ الْهَرِمُ لَهُ ذِمَّةٌ صَحِيحَةٌ، فَإِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ الْإِطْعَامِ أَيْضًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَ {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦] .

[فَصْلُ الْمَرِيضُ الَّذِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ يُفْطِر وَيُطْعِمُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا]

(٢٠٨٢) فَصْلٌ: وَالْمَرِيضُ الَّذِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ، يُفْطِرُ، وَيُطْعِمُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الشَّيْخِ. قَالَ أَحْمَدُ، - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مَنْ بِهِ شَهْوَةُ الْجِمَاعِ غَالِبَةٌ، لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ، وَيَخَافُ أَنْ تَنْشَقَّ أُنْثَيَاهُ: أَطْعِمْ. أَبَاحَ لَهُ الْفِطْرَ؛ لِأَنَّهُ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ، فَهُوَ كَالْمَرِيضِ، وَمِنْ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ الْهَلَاكَ لِعَطَشٍ أَوْ نَحْوِهِ، وَأَوْجَبَ الْإِطْعَامَ بَدَلًا عَنْ الصِّيَامِ، وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لَا يَرْجُو إمْكَانَ الْقَضَاءِ، فَإِنْ رَجَا ذَلِكَ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ، وَالْوَاجِبُ انْتِظَارُ الْقَضَاءِ وَفِعْلُهُ إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: ١٨٤] .

وَإِنَّمَا يُصَارُ إلَى الْفِدْيَةِ عِنْدَ الْيَأْسِ مِنْ الْقَضَاءِ، فَإِنْ أَطْعَمَ مَعَ يَأْسِهِ، ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الصِّيَامِ، احْتَمَلَ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ؛ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ قَدْ بَرِئَتْ بِأَدَاءِ الْفِدْيَةِ الَّتِي كَانَتْ هِيَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَعُدْ إلَى الشُّغْلِ بِمَا بَرِئَتْ مِنْهُ، وَلِهَذَا قَالَ الْخِرَقِيِّ: فَمَنْ كَانَ مَرِيضًا لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ، أَوْ شَيْخًا لَا يَسْتَمْسِكُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَقَامَ مِنْ يَحُجُّ عَنْهُ وَيَعْتَمِرُ، وَقَدْ أَجْزَأَ عَنْهُ، وَإِنْ عُوفِيَ.

وَاحْتَمَلَ أَنْ يَلْزَمَهُ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّ الْإِطْعَامَ بَدَلُ يَأْسٍ، وَقَدْ تَبَيَّنَّا ذَهَابَ الْيَأْسِ، فَأَشْبَهَ مَنْ اعْتَدَّتْ بِالشُّهُورِ عِنْدَ الْيَأْسِ مِنْ الْحَيْضِ، ثُمَّ حَاضَتْ.

[مَسْأَلَةُ حَاضَتْ الْمَرْأَةُ أَوْ نَفِسَتْ وَهِيَ صَائِمَةٌ]

(٢٠٨٣) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ، أَوْ نَفِسَتْ، أَفْطَرَتْ وَقَضَتْ؛ فَإِنْ صَامَتْ، لَمْ يُجْزِئْهَا)

<<  <  ج: ص:  >  >>