للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«إنَّهُ لَيَنْهَانَا أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، وَأَنْ نَسْتَجْمِرَ بِرَجِيعٍ أَوْ عَظْمٍ.» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَتَخْصِيصُ هَذَيْنِ بِالنَّهْيِ عَنْهُمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ الْحِجَارَةَ، وَمَا قَامَ مَقَامَهَا. وَرَوَى طَاوُسٌ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْبَرَازَ فَلْيُنَزِّهْ قِبْلَةَ اللَّهِ، وَلَا يَسْتَقْبِلْهَا وَلَا يَسْتَدْبِرْهَا، وَلْيَسْتَطِبْ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، أَوْ ثَلَاثَةِ أَعْوَادٍ، أَوْ ثَلَاثِ حَثَيَاتٍ مِنْ تُرَابٍ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَقَالَ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُرْسَلٌ وَرَوَاهُ سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ مَوْقُوفًا عَلَى طَاوُسٍ.

وَلِأَنَّهُ مَتَى وَرَدَ النَّصُّ بِشَيْءٍ لِمَعْنًى مَعْقُولٍ، وَجَبَ تَعْدِيَتُهُ إلَى مَا وُجِدَ فِيهِ الْمَعْنَى، وَالْمَعْنَى هَاهُنَا إزَالَةُ عَيْنِ النَّجَاسَةِ، وَهَذَا يَحْصُلُ بِغَيْرِ الْأَحْجَارِ، كَحُصُولِهِ بِهَا، وَبِهَذَا يَخْرُجُ التَّيَمُّمُ؛ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَعْقُولٍ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَا يُسْتَجْمَرُ بِهِ مُنَقِّيًا؛ لِأَنَّ الْإِنْقَاءَ مُشْتَرَطٌ فِي الِاسْتِجْمَارِ، فَأَمَّا الزَّلِجُ كَالزُّجَاجِ وَالْفَحْمِ الرِّخْوِ وَشِبْهِهِمَا مِمَّا لَا يُنَقِّي، فَلَا يُجْزِئُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ مِنْهُ الْمَقْصُودُ.

وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ طَاهِرًا، فَإِنْ كَانَ نَجِسًا لَمْ يُجْزِهِ، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ يُجَفِّفُ كَالطَّاهِرِ. وَلَنَا «أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَجَرَيْنِ وَرَوْثَةٍ يَسْتَجْمِرُ بِهَا، فَأَخَذَ الْحَجَرَيْنِ وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ، وَقَالَ: هَذِهِ رِكْسٌ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَفِي لَفْظٍ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، قَالَ: إنَّهَا رِكْسٌ.

يَعْنِي نَجَسًا، وَهَذَا تَعْلِيلٌ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. يَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ؛ وَلِأَنَّهُ إزَالَةُ نَجَاسَةٍ، فَلَا يَحْصُلُ بِالنَّجَاسَةِ كَالْغَسْلِ، فَإِنْ اسْتَنْجَى بِنَجِسٍ احْتَمَلَ أَنْ لَا يُجْزِئَهُ الِاسْتِجْمَارُ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ تَنَجَّسَ بِنَجَاسَةٍ مِنْ غَيْرِ الْمَخْرَجِ، فَلَمْ يُجْزِئْ فِيهَا غَيْرُ الْمَاءِ، كَمَا لَوْ تَنَجَّسَ ابْتِدَاءً، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُجْزِئَهُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ النَّجَاسَةَ تَابِعَةٌ لِنَجَاسَةِ الْمَحَلِّ، فَزَالَتْ بِزَوَالِهَا.

(٢١٤) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: إلَّا الرَّوْثَ وَالْعِظَامَ وَالطَّعَامَ، وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِجْمَارُ بِالرَّوْثِ وَلَا الْعِظَامِ، وَلَا يُجْزِئُ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَبِهَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ. وَأَبَاحَ أَبُو حَنِيفَةَ الِاسْتِنْجَاءَ بِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا يُجَفِّفَانِ النَّجَاسَةَ، وَيُنَقِّيَانِ الْمَحَلَّ، فَهُمَا كَالْحَجَرِ. وَأَبَاحَ مَالِكٌ الِاسْتِنْجَاءَ بِالطَّاهِرِ مِنْهُمَا. وَقَدْ ذَكَرْنَا نَهْيَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُمَا، وَرَوَى مُسْلِمٌ، عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَسْتَنْجُوا بِالرَّوْثِ وَلَا بِالْعِظَامِ؛ فَإِنَّهُ زَادُ إخْوَانِكُمْ مِنْ الْجِنِّ» . وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِرَوْثٍ أَوْ عَظْمٍ وَقَالَ: إنَّهُمَا لَا يُطَهِّرَانِ» . وَقَالَ: إسْنَادٌ صَحِيحٌ.

وَرَوَى أَبُو دَاوُد، عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «، أَنَّهُ قَالَ لِرُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ، أَبِي بَكْرَةَ: أَخْبِرْ النَّاسَ أَنَّهُ مَنْ اسْتَنْجَى بِرَجِيعٍ أَوْ عَظْمٍ فَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ دِينِ مُحَمَّدٍ.» وَهَذَا عَامٌّ فِي الطَّاهِرِ مِنْهَا.

وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ وَعَدَمَ الْإِجْزَاءِ فَأَمَّا الطَّعَامُ فَتَحْرِيمُهُ مِنْ طَرِيقِ التَّنْبِيهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّلَ النَّهْيَ عَنْ الرَّوْثِ وَالرِّمَّةِ، فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، بِكَوْنِهِمَا زَادَ إخْوَانِنَا مِنْ الْجِنِّ، فَزَادُنَا مَعَ عِظَمِ حُرْمَتِهِ أَوْلَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>