للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الِاعْتِكَافِ الصَّوْمُ، وَلَا يَجِبُ بِإِفْسَادِهِ كَفَّارَةٌ إذَا كَانَ تَطَوُّعًا وَلَا مَنْذُورًا، مَا لَمْ يَتَضَمَّنْ الْإِخْلَالَ بِنَذْرِهِ؛ فَيَجِبُ بِهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، كَذَلِكَ هَذَا. (٢١٦٧)

فَصْلٌ: فَأَمَّا الْمُبَاشَرَةُ دُونَ الْفَرْجِ، فَإِنْ كَانَتْ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ، فَلَا بَأْسَ بِهَا، مِثْلُ أَنْ تَغْسِلَ رَأْسَهُ، أَوْ تُفَلِّيَهُ، أَوْ تُنَاوِلَهُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُدْنِي رَأْسَهُ إلَى عَائِشَةَ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ فَتُرَجِّلُهُ. وَإِنْ كَانَتْ عَنْ شَهْوَةٍ، فَهِيَ مُحَرَّمَةٌ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: ١٨٧] .

وَلِقَوْلِ عَائِشَةَ: السُّنَّةُ لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ لَا يَعُودَ مَرِيضًا، وَلَا يَشْهَدَ جِنَازَةً، وَلَا يَمَسَّ امْرَأَةً، وَلَا يُبَاشِرَهَا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَلِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ إفْضَاءَهَا إلَى إفْسَادِ الِاعْتِكَافِ، وَمَا أَفْضَى إلَى الْحَرَامِ كَانَ حَرَامًا. فَإِنْ فَعَلَ، فَأَنْزَلَ، فَسَدَ اعْتِكَافُهُ، وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ، لَمْ يَفْسُدْ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ.

وَقَالَ فِي الْآخَرِ: يَفْسُدُ فِي الْحَالَيْنِ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ؛ لِأَنَّهَا مُبَاشَرَةٌ مُحَرَّمَةٌ، فَأَفْسَدَتْ الِاعْتِكَافَ، كَمَا لَوْ أَنْزَلَ.

وَلَنَا، أَنَّهَا مُبَاشَرَةٌ لَا تُفْسِدُ صَوْمًا وَلَا حَجًّا، فَلَمْ تُفْسِدْ الِاعْتِكَافَ، كَالْمُبَاشَرَةِ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ. وَفَارَقَ الَّتِي أَنْزَلَ بِهَا؛ لِأَنَّهَا تُفْسِدُ الصَّوْمَ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، إلَّا عَلَى رِوَايَةِ حَنْبَلٍ. (٢١٦٨)

فَصْلٌ: وَإِنْ ارْتَدَّ، فَسَدَ اعْتِكَافُهُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: ٦٥] . وَلِأَنَّهُ خَرَجَ بِالرِّدَّةِ عَنْ كَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الِاعْتِكَافِ، وَإِنْ شَرِبَ مَا أَسْكَرَهُ فَسَدَ اعْتِكَافُهُ، لِخُرُوجِهِ عَنْ كَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ. (٢١٦٩)

فَصْلٌ: وَكُلَّ مَوْضِعٍ فَسَدَ اعْتِكَافُهُ، فَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا، فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّطَوُّعَ لَا يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ فِي غَيْرِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ. وَإِنْ كَانَ نَذْرًا نَظَرْنَا، فَإِنْ كَانَ نَذَرَ أَيَّامًا مُتَتَابِعَةً، فَسَدَ مَا مَضَى مِنْ اعْتِكَافِهِ، وَاسْتَأْنَفَ؛ لِأَنَّ التَّتَابُعَ وَصْفٌ فِي الِاعْتِكَافِ، وَقَدْ أَمْكَنَهُ الْوَفَاءُ بِهِ، فَلَزِمَهُ، وَإِنْ كَانَ نَذَرَ أَيَّامًا مُعَيَّنَةً، كَالْعَشَرَةِ الْأَوَاخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا، يَبْطُلُ مَا مَضَى، وَيَسْتَأْنِفُهُ؛ لِأَنَّهُ نَذَرَ اعْتِكَافًا مُتَتَابِعًا، فَبَطَلَ بِالْخُرُوجِ مِنْهُ، كَمَا لَوْ قَيَّدَهُ بِالتَّتَابُعِ بِلَفْظِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>