للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّانِي، لَا يَبْطُلُ؛ لِأَنَّ مَا مَضَى مِنْهُ قَدْ أَدَّى الْعِبَادَةَ فِيهِ أَدَاءً صَحِيحًا، فَلَمْ يَبْطُلْ بِتَرْكِهَا فِي غَيْرِهِ، كَمَا لَوْ أَفْطَرَ فِي أَثْنَاءِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَالتَّتَابُعُ هَاهُنَا حَصَلَ ضَرُورَةَ التَّعْيِينِ، وَالتَّعْيِينُ مُصَرَّحٌ بِهِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ الْإِخْلَالِ بِأَحَدِهِمَا فَفِيمَا حَصَلَ ضَرُورَةً أَوْلَى، وَلِأَنَّ وُجُوبَ التَّتَابُعِ مِنْ حَيْثُ الْوَقْتُ، لَا مِنْ حَيْثُ النَّذْرُ، فَالْخُرُوجُ فِي بَعْضِهِ لَا يُبْطِلُ مَا مَضَى مِنْهُ، كَصَوْمِ رَمَضَانَ إذَا أَفْطَرَ فِيهِ، فَعَلَى هَذَا يَقْضِي مَا أَفْسَدَ فِيهِ حَسْبُ. وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ تَارِكٌ لِبَعْضِ مَا نَذَرَهُ.

وَأَصْلُ الْوَجْهَيْنِ فِي مَنْ نَذَرَ صَوْمًا مُعَيَّنًا، فَأَفْطَرَ فِي بَعْضِهِ، فَإِنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ، كَالْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا.

فَصْلٌ: إذَا نَذَرَ اعْتِكَافَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةٍ بِصَوْمٍ، فَأَفْطَرَ يَوْمًا، أَفْسَدَ تَتَابُعَهُ، وَوَجَبَ اسْتِئْنَافُ الِاعْتِكَافِ، لِإِخْلَالِهِ بِالْإِتْيَانِ بِمَا نَذَرَهُ عَلَى صِفَتِهِ.

[مَسْأَلَة إذَا وَقَعَتْ فِتْنَة خَافَ مِنْهَا تَرَكَ اعْتِكَافه]

(٢١٧١) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِذَا وَقَعَتْ فِتْنَةٌ خَافَ مِنْهَا تَرَكَ اعْتِكَافَهُ، فَإِذَا أَمِنَ بَنِي عَلَى مَا مَضَى، إذَا كَانَ نَذَرَ أَيَّامًا مَعْلُومَةً، وَقَضَى مَا تَرَكَ، وَكَفَّرَ كَفَّارَةَ يَمِينٍ، وَكَذَلِكَ فِي النَّفِيرِ إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ إذَا وَقَعَتْ فِتْنَةٌ خَافَ مِنْهَا عَلَى نَفْسِهِ إنْ قَعَدَ فِي الْمَسْجِدِ، أَوْ عَلَى مَالِهِ نَهْبًا أَوْ حَرِيقًا، فَلَهُ تَرْكُ الِاعْتِكَافِ وَالْخُرُوجُ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى لِأَجْلِهِ تَرْكَ الْوَاجِبِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ، وَهُوَ الْجُمُعَةُ وَالْجَمَاعَةُ، فَأَوْلَى أَنْ يُبَاحَ لِأَجْلِهِ تَرْكُ مَا أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْمُقَامُ فِي الْمَسْجِدِ؛ لِمَرَضٍ لَا يُمْكِنُهُ الْمُقَامُ مَعَهُ فِيهِ، كَالْقِيَامِ الْمُتَدَارَكِ، أَوْ سَلَسِ الْبَوْلِ، أَوْ الْإِغْمَاءِ، أَوْ لَا يُمْكِنُهُ الْمُقَامُ إلَّا بِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ، مِثْلُ أَنْ يَحْتَاجَ إلَى خِدْمَةٍ وَفِرَاشٍ، فَلَهُ الْخُرُوجُ.

وَإِنْ كَانَ الْمَرَضُ خَفِيفًا، كَالصُّدَاعِ، وَوَجَعِ الضِّرْسِ، وَنَحْوِهِ، فَلَيْسَ لَهُ الْخُرُوجُ. فَإِنْ خَرَجَ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ. وَلَهُ الْخُرُوجُ إلَى مَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ مِنْ الْوَاجِبِ، مِثْلُ الْخُرُوجِ فِي النَّفِيرِ إذَا عَمَّ، أَوْ حَضَرَ عَدُوٌّ يَخَافُونَ كَلْبَهُ، وَاحْتِيجَ إلَى خُرُوجِ الْمُعْتَكِفِ، لَزِمَهُ الْخُرُوجُ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ مُتَعَيَّنٌ، فَلَزِمَ الْخُرُوجُ إلَيْهِ، كَالْخُرُوجِ إلَى الْجُمُعَةِ.

وَإِذَا خَرَجَ ثُمَّ زَالَ عُذْرُهُ، نَظَرْنَا، فَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا فَهُوَ مُخَيَّرٌ، إنْ شَاءَ رَجَعَ إلَى مُعْتَكَفِهِ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَرْجِعْ، وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا رَجَعَ إلَى مُعْتَكَفِهِ، فَبَنَى عَلَى مَا مَضَى مِنْ اعْتِكَافِهِ. ثُمَّ لَا يَخْلُو النَّذْرُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ: أَحَدُهَا، أَنْ يَكُونَ نَذَرَ اعْتِكَافًا فِي أَيَّامٍ غَيْرِ مُتَتَابِعَةٍ وَلَا مُعَيَّنَةٍ، فَهَذَا لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءٌ، بَلْ يُتِمُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>