للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(٢١٨٢)

فَصْلٌ: وَلَيْسَ لِلزَّوْجَةِ أَنْ تَعْتَكِفَ إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا، وَلَا لِلْمَمْلُوكِ أَنْ يَعْتَكِفَ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُمَا مَمْلُوكَةٌ لِغَيْرِهِمَا، وَالِاعْتِكَافُ يُفَوِّتُهَا، وَيَمْنَعُ اسْتِيفَاءَهَا، وَلَيْسَ بِوَاجِبِ عَلَيْهِمَا بِالشَّرْعِ، فَكَانَ لَهُمَا الْمَنْعُ مِنْهُ. وَأُمُّ الْوَلَد وَالْمُدَبَّرُ كَالْقِنِّ فِي هَذَا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ بَاقٍ فِيهِمَا، فَإِنْ أَذِنَ السَّيِّدُ وَالزَّوْجُ لَهُمَا، ثُمَّ أَرَادَ إخْرَاجَهُمَا مِنْهُ بَعْدَ شُرُوعِهِمَا فِيهِ، فَلَهُمَا ذَلِكَ فِي التَّطَوُّعِ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْعَبْدِ كَقَوْلِنَا، وَفِي الزَّوْجَةِ: لَيْسَ لِزَوْجِهَا إخْرَاجُهَا؛ لِأَنَّهَا تَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ، فَالْإِذْنُ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ مَنَافِعِهَا، وَأَذِنَ لَهَا فِي اسْتِيفَائِهَا، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا، كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهَا فِي الْحَجِّ فَأَحْرَمَتْ بِهِ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ لَهُ تَحْلِيلُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا عَقَدَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا تَمْلِيكَ مَنَافِعَ كَانَا يَمْلِكَانِهَا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَمْ يَجُزْ الرُّجُوعُ فِيهَا، كَمَا لَوْ أَحْرَمَا بِالْحَجِّ بِإِذْنِهِمَا.

وَلَنَا، أَنَّ لَهُمَا الْمَنْعَ مِنْهُ ابْتِدَاءً، فَكَانَ لَهُمَا الْمَنْعُ مِنْهُ دَوَامًا، كَالْعَارِيَّةِ، وَيُخَالِفُ الْحَجَّ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ، بِخِلَافِ الِاعْتِكَافِ عَلَى مَا مَضَى مِنْ الْخِلَافِ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ مَا أُذِنَا فِيهِ مَنْذُورًا، لَمْ يَكُنْ لَهُمَا تَحْلِيلُهُمَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ، وَيَجِبُ إتْمَامُهُ، فَيَصِيرُ كَالْحَجِّ إذَا أَحْرَمَا بِهِ. فَأَمَّا إنْ نَذَرَا الِاعْتِكَافَ، فَأَرَادَ السَّيِّدُ وَالزَّوْجُ مَنْعَهُمَا الدُّخُولَ فِيهِ نَظَرْت، فَإِنْ كَانَ النَّذْرُ بِإِذْنِهِمَا، وَكَانَ مُعَيَّنًا، لَمْ يَمْلِكَا مَنْعَهُمَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِإِذْنِهِمَا، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا، فَلَهُمَا مَنْعُهُمَا مِنْهُ؛ لِأَنَّ نَذْرَهُمَا تَضَمَّنَ تَفْوِيتَ حَقِّ غَيْرِهِمَا بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَكَانَ لِصَاحِبِ الْحَقِّ الْمَنْعُ مِنْهُ.

وَإِنْ كَانَ النَّذْرُ الْمَأْذُونُ فِيهِ غَيْرَ مُعَيَّنٍ، فَهَلْ لَهُمَا مَنْعُهُمَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، لَهُمَا مَنْعُهُمَا؛ لِأَنَّ حَقَّهُمَا ثَابِتٌ فِي كُلِّ زَمَنٍ، فَكَانَ تَعْيِينُ زَمَنِ سُقُوطِهِ إلَيْهِمَا كَالدَّيْنِ. وَالثَّانِي، لَيْسَ لَهُمَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ الْتِزَامُهُ بِإِذْنِهِمَا، فَأَشْبَهَ الْمُعَيَّنَ.

وَأَمَّا الْمُعْتَقُ بَعْضُهُ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ، فَلَهُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي يَوْمِهِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ لِسَيِّدِهِ فِي هَذَا الْيَوْمِ، وَحُكْمُهُ فِي يَوْمِ سَيِّدِهِ حُكْمُ الْقِنَّ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مُهَايَأَةٌ، فَلِسَيِّدِهِ مَنْعَهُ؛ لِأَنَّ لَهُ مِلْكًا فِي مَنَافِعِهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ. (٢١٨٣)

فَصْلٌ: وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ، فَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ مِنْ وَاجِبٍ وَلَا تَطَوُّعٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ مَنَافِعَهُ، وَلَيْسَ لَهُ إجْبَارُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>