للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَقَامَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ وَيَعْتَمِرُ، وَقَدْ أَجْزَأَ عَنْهُ وَإِنْ عُوفِيَ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ وُجِدَتْ فِيهِ شَرَائِطُ وُجُوبِ الْحَجِّ، وَكَانَ عَاجِزًا عَنْهُ لِمَانِعٍ مَأْيُوسٍ مِنْ زَوَالِهِ، كَزَمَانَةٍ، أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ، أَوْ كَانَ نِضْوَ الْخَلْقِ، لَا يَقْدِرُ عَلَى الثُّبُوتِ عَلَى الرَّاحِلَةِ إلَّا بِمَشَقَّةٍ غَيْرِ مُحْتَمَلَةٍ، وَالشَّيْخُ الْفَانِي، وَمَنْ كَانَ مِثْلَهُ مَتَى وَجَدَ مَنْ يَنُوبُ عَنْهُ فِي الْحَجِّ، وَمَالًا يَسْتَنِيبُهُ بِهِ، لَزِمَهُ ذَلِكَ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ.

وَقَالَ مَالِكٌ: لَا حَجَّ عَلَيْهِ، إلَّا أَنْ يَسْتَطِيعَ بِنَفْسِهِ، وَلَا أَرَى لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: ٩٧] . وَهَذَا غَيْرُ مُسْتَطِيعٍ، وَلِأَنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ لَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ مَعَ الْقُدْرَةِ، فَلَا تَدْخُلُهَا مَعَ الْعَجْزِ، كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ.

وَلَنَا، حَدِيثُ أَبِي رَزِينٍ، وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ، أَنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، «إنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا، لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمِ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، «إنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ، عَلَيْهِ فَرِيضَةُ اللَّهِ فِي الْحَجِّ، وَهُوَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَى ظَهْرِ بَعِيرِهِ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَحُجِّي عَنْهُ» . وَسُئِلَ عَلِيٌّ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، عَنْ شَيْخٍ لَا يَجِدُ الِاسْتِطَاعَةَ، قَالَ. يُجَهَّزُ عَنْهُ. وَلِأَنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ تَجِبُ بِإِفْسَادِهَا الْكَفَّارَةُ، فَجَازَ أَنْ يَقُومَ غَيْرُ فِعْلِهِ فِيهَا مَقَامَ فِعْلِهِ، كَالصَّوْمِ إذَا عَجَزَ عَنْهُ افْتَدَى، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ.

[فَصْل لَمْ يَجِد مَالًا يَسْتَنِيب بِهِ غَيْره فِي الْحَجّ عَنْهُ]

(٢٢١٦) فَصْلٌ: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَالًا يَسْتَنِيبُ بِهِ، فَلَا حَجَّ عَلَيْهِ. بِغَيْرِ خِلَافٍ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ لَوْ لَمْ يَجِدْ مَا يَحُجُّ بِهِ، لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ، فَالْمَرِيضُ أَوْلَى.

وَإِنْ وَجَدَ مَالًا، وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَنُوبُ عَنْهُ، فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَنْبَنِي عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي إمْكَانِ الْمَسِيرِ، هَلْ هُوَ مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ، أَوْ مِنْ شَرَائِطِ لُزُومِ السَّعْيِ؟ فَإِنْ قُلْنَا: مِنْ شَرَائِطِ لُزُومِ السَّعْيِ. ثَبَتَ الْحَجُّ فِي ذِمَّتِهِ، هَذَا يُحَجُّ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ. وَإِنْ قُلْنَا: مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ.

[فَصْل حَجّ عَنْهُ غَيْره وَهُوَ مَرِيض ثُمَّ عُوفِيَ]

(٢٢١٧) فَصْلٌ: وَمَتَى أَحَجَّ هَذَا عَنْ نَفْسِهِ، ثُمَّ عُوفِيَ، لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ حَجٌّ آخَرُ. وَهَذَا قَوْلُ إِسْحَاقَ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ: يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا بَدَلُ إيَاسٍ، فَإِذَا بَرَأَ، تَبَيَّنَّا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَأْيُوسًا مِنْهُ، فَلَزِمَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>