للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالصَّوْمِ.

وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الَّتِي فِي أَخْذِ الْجُعْلِ وَالْأُجْرَةِ، فَإِنَّمَا كَانَتْ فِي الرُّقْيَةِ، وَهِيَ قَضِيَّةٌ فِي عَيْنٍ، فَتَخْتَصُّ بِهَا. وَأَمَّا بِنَاءُ الْمَسَاجِدِ، فَلَا يَخْتَصُّ فَاعِلُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَقَعَ قُرْبَةً وَغَيْرَ قُرْبَةٍ، فَإِذَا وَقَعَ بِأُجْرَةٍ لَمْ يَكُنْ قُرْبَةً، وَلَا عِبَادَةً، وَلَا يَصِحُّ هَاهُنَا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ عِبَادَةٍ، وَلَا يَجُوزُ الِاشْتِرَاكُ فِي الْعِبَادَةِ، فَمَتَى فَعَلَهُ مِنْ أَجْلِ الْأُجْرَةِ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ عِبَادَةً، فَلَمْ يَصِحَّ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ أَخْذِ النَّفَقَةِ جَوَازُ أَخْذِ الْأُجْرَةِ، بِدَلِيلِ الْقَضَاءِ وَالشَّهَادَةِ وَالْإِمَامَةِ، يُؤْخَذُ عَلَيْهَا الرِّزْقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَهُوَ نَفَقَةٌ فِي الْمَعْنَى، وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهَا.

وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ، أَنَّهُ مَتَى لَمْ يَجُزْ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهَا، فَلَا يَكُونُ إلَّا نَائِبًا مَحْضًا، وَمَا يُدْفَعُ إلَيْهِ مِنْ الْمَالِ يَكُونُ نَفَقَةً لِطَرِيقِهِ، فَلَوْ مَاتَ، أَوْ أُحْصِرَ، أَوْ مَرِضَ، أَوْ ضَلَّ الطَّرِيقَ، لَمْ يَلْزَمْهُ الضَّمَانُ لِمَا أَنْفَقَ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ؛ لِأَنَّهُ إنْفَاقٌ بِإِذْنِ صَاحِبِ الْمَالِ، فَأَشْبَهُ مَا لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي سَدِّ بَثْقٍ فَانْبَثَقَ وَلَمْ يَنْسَدَّ. وَإِذَا نَابَ عَنْهُ آخَرُ، فَإِنَّهُ يَحُجُّ مِنْ حَيْثُ بَلَغَ النَّائِبُ الْأَوَّلُ مِنْ الطَّرِيقِ، لِأَنَّهُ حَصَلَ قَطْعُ هَذِهِ الْمَسَافَةِ بِمَالِ الْمَنُوبِ عَنْهُ، فَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ الْإِنْفَاقُ دَفْعَةً أُخْرَى، كَمَا لَوْ خَرَجَ بِنَفْسِهِ فَمَاتَ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ، فَإِنَّهُ يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ انْتَهَى.

وَمَا فَضَلَ مَعَهُ مِنْ الْمَالِ رَدَّهُ، إلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ فِي أَخْذِهِ، وَيُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهِ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ مِنْ غَيْرِ إسْرَافٍ وَلَا تَقْتِيرٍ، وَلَيْسَ لَهُ التَّبَرُّعُ بِشَيْءٍ مِنْهُ، إلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ فِي ذَلِكَ. قَالَ أَحْمَدُ، فِي الَّذِي يَأْخُذُ دَرَاهِمَ لِلْحَجِّ: لَا يَمْشِي، وَلَا يُقَتِّرُ فِي النَّفَقَةِ، وَلَا يُسْرِفُ.

وَقَالَ فِي رَجُلٍ أَخَذَ حَجَّةً عَنْ مَيِّتٍ، فَفَضَلَتْ مَعَهُ فَضْلَةٌ: يَرُدُّهَا، وَلَا يُنَاهِدُ أَحَدًا إلَّا بِقَدْرِ مَا لَا يَكُونُ سَرَفًا، وَلَا يَدْعُو إلَى طَعَامِهِ، وَلَا يَتَفَضَّلُ. ثُمَّ قَالَ: أَمَّا إذَا أُعْطِيَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، أَوْ كَذَا وَكَذَا، فَقِيلَ لَهُ: حُجَّ بِهَذِهِ. فَلَهُ أَنْ يَتَوَسَّعَ فِيهَا، وَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَهُوَ لَهُ. وَإِذَا قَالَ الْمَيِّتُ: حُجُّوا عَنِّي حَجَّةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ. فَدَفَعُوهَا إلَى رَجُلٍ، فَلَهُ أَنْ يَتَوَسَّعَ فِيهَا، وَمَا فَضَلَ فَهُوَ لَهُ.

وَإِنْ قُلْنَا: يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْحَجِّ. جَازَ أَنْ يَقَعَ الدَّفْعُ إلَى النَّائِبِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْجَارٍ، فَيَكُونُ الْحُكْمُ فِيهِ عَلَى مَا مَضَى. وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَحُجَّ عَنْهُ أَوْ عَنْ مَيِّتٍ، اعْتَبَرَ فِيهِ شُرُوطَ الْإِجَارَةِ؛ مِنْ مَعْرِفَةِ الْأُجْرَةِ، وَعَقْدِ الْإِجَارَةِ، وَمَا يَأْخُذُهُ أُجْرَةً لَهُ يَمْلِكُهُ، وَيُبَاحُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ، وَالتَّوَسُّعُ بِهِ فِي النَّفَقَةِ وَغَيْرِهَا، وَمَا فَضَلَ فَهُوَ لَهُ، وَإِنْ أُحْصِرَ، أَوْ ضَلَّ الطَّرِيقَ، أَوْ ضَاعَتْ النَّفَقَةُ مِنْهُ، فَهُوَ فِي ضَمَانِهِ، وَالْحَجُّ عَلَيْهِ، وَإِنْ مَاتَ، انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ تَلِفَ، فَانْفَسَخَ الْعَقْدُ، كَمَا لَوْ مَاتَتْ الْبَهِيمَةُ الْمُسْتَأْجَرَةُ، وَيَكُونُ الْحَجُّ أَيْضًا مِنْ مَوْضِعٍ بَلَغَ إلَيْهِ النَّائِبُ، وَمَا لَزِمَهُ مِنْ الدِّمَاءِ فَعَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ عَلَيْهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>