للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَمْ تَجُزْ عَنْ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ إلَّا بِإِذْنِهِ، كَالزَّكَاةِ، فَأَمَّا الْمَيِّتُ فَتَجُوزُ عَنْهُ بِغَيْرِ إذْنٍ، وَاجِبًا كَانَ أَوْ تَطَوُّعًا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِالْحَجِّ عَنْ الْمَيِّتِ، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا إذْنَ لَهُ، وَمَا جَازَ فَرْضُهُ جَازَ نَفْلُهُ، كَالصَّدَقَةِ. فَعَلَى هَذَا كُلُّ مَا يَفْعَلُهُ النَّائِبُ عَنْ الْمُسْتَنِيبِ، مِمَّا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ، مِثْلُ أَنْ يُؤْمَرَ بِحَجٍّ فَيَعْتَمِرَ، أَوْ بِعُمْرَةٍ فَيَحُجَّ، يَقَعُ عَنْ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ، وَلَا يَقَعُ عَنْ الْحَيِّ؛ لِعَدَمِ إذْنِهِ فِيهِ، وَيَقَعُ عَمَّنْ فَعَلَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ وُقُوعُهُ عَنْ الْمَنْوِيِّ عَنْهُ، وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ، كَمَا لَوْ اسْتَنَابَهُ رَجُلَانِ، فَأَحْرَمَ عَنْهُمَا جَمِيعًا، وَعَلَيْهِ رَدُّ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ مَا أُمِرَ بِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا.

[فَصْل مُخَالِفَة النَّائِب فِي الْحَجّ لَأَمَرَ الْمُنِيب]

فُصُولٌ فِي مُخَالَفَةِ النَّائِبِ: إذَا أَمَرَهُ بِحَجٍّ فَتَمَتَّعَ أَوْ اعْتَمَرَ لِنَفْسِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ، ثُمَّ حَجَّ؛ نَظَرْت؛ فَإِنْ خَرَجَ إلَى الْمِيقَاتِ فَأَحْرَمَ مِنْهُ بِالْحَجِّ، جَازَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ.

وَإِنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ، فَعَلَيْهِ دَمٌ؛ لِتَرْكِ مِيقَاتِهِ، وَيَرُدُّ مِنْ النَّفَقَةِ بِقَدْرِ مَا تَرَكَ مِنْ إحْرَامِ الْحَجِّ فِيمَا بَيْنَ الْمِيقَاتِ وَمَكَّةَ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَقَعُ فِعْلُهُ عَنْ الْآمِرِ، وَيَرُدُّ جَمِيعَ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِغَيْرِ مَا أُمِرَ بِهِ. وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ.

وَلَنَا، أَنَّهُ إذَا أَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ فَقَدْ أَتَى بِالْحَجِّ صَحِيحًا مِنْ مِيقَاتِهِ، وَإِنْ أَحْرَمَ بِهِ مِنْ مَكَّةَ، فَمَا أَخَلَّ إلَّا بِمَا يَجْبُرُهُ الدَّمُ، فَلَمْ تَسْقُطْ نَفَقَتُهُ، كَمَا لَوْ تَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ، فَأَحْرَمَ دُونَهُ.

وَإِنْ أَمَرَهُ بِالْإِفْرَادِ فَقَرَنَ، لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ. وَلَنَا، أَنَّهُ أَتَى بِمَا أُمِرَ بِهِ وَزِيَادَةً، فَصَحَّ وَلَمْ يَضْمَنْ، كَمَا لَوْ أَمَرَهُ بِشِرَاءِ شَاةٍ بِدِينَارٍ، فَاشْتَرَى بِهِ شَاتَيْنِ تُسَاوِي إحْدَاهُمَا دِينَارًا. ثُمَّ إنْ كَانَ أَمَرَهُ بِالْعُمْرَةِ بَعْدَ الْحَجِّ فَفَعَلَهَا، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، رَدَّ مِنْ النَّفَقَةِ بِقَدْرِهَا.

[فَصْل أَمَرَ النَّائِب فِي الْحَجّ بِالتَّمَتُّعِ فَقَرْن]

(٢٢٢٧) فَصْلٌ: وَإِنْ أَمَرَهُ بِالتَّمَتُّعِ فَقَرَنَ، وَقَعَ عَنْ الْآمِرِ، لِأَنَّهُ أَمَرَ بِهِمَا، وَإِنَّمَا خَالَفَ فِي أَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ، فَأَحْرَمَ بِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا مِنْ النَّفَقَةِ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ.

وَقَالَ الْقَاضِي: يَرُدُّ نِصْفَ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ فِي عُمْرَةٍ مُفْرَدَةٍ وَتَحْصِيلِ فَضِيلَةِ التَّمَتُّع، وَقَدْ خَالَفَهُ فِي ذَلِكَ، وَفَوَّتَهُ عَلَيْهِ. وَإِنْ أَفْرَدَ وَقَعَ عَنْ الْمُسْتَنِيبِ أَيْضًا، وَيَرُدُّ نِصْفَ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهُ أَخَلَّ بِالْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَقَدْ أَمَرَهُ بِهِ، وَإِحْرَامُهُ بِالْحَجِّ مِنْ الْمِيقَاتِ زِيَادَةٌ لَا يَسْتَحِقُّ بِهِ شَيْئًا.

[فَصْل أَمَرَ النَّائِب فِي الْحَجّ بِالْقِرَانِ فَأَفْرَدَ أَوْ تَمَتَّعَ]

(٢٢٢٨) فَصْلٌ: فَإِنْ أَمَرَهُ بِالْقِرَانِ فَأَفْرَدَ أَوْ تَمَتَّعَ، صَحَّ، وَوَقَعَ النُّسُكَانِ عَنْ الْآمِرِ، وَيَرُدُّ مِنْ النَّفَقَةِ بِقَدْرِ مَا تَرَكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>