للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْل مَنْ عَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ يَسْتَأْجِرُ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ الْمِيقَاتِ]

(٢٢٣٩) فَصْلٌ: وَيُسْتَنَابُ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ وَجَبَ عَلَيْهِ، إمَّا مِنْ بَلَدِهِ أَوْ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَيْسَرِ فِيهِ. وَبِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ، وَإِسْحَاقُ، وَمَالِكٌ فِي النَّذْرِ.

وَقَالَ عَطَاءٌ فِي النَّاذِرِ: إنْ لَمْ يَكُنْ نَوَى مَكَانًا، فَمِنْ مِيقَاتِهِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِيمَنْ عَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ: يَسْتَأْجِرُ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ الْمِيقَاتِ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ لَا يَجِبُ مِنْ دُونِهِ.

وَلَنَا، أَنَّ الْحَجَّ وَاجِبٌ عَلَى الْمَيِّتِ مِنْ بَلَدِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَنُوبَ عَنْهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَكُونُ عَلَى وَفْقِ الْأَدَاءِ، كَقَضَاءِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي حَجِّ النَّذْرِ وَالْقَضَاءِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ وَطَنَانِ اُسْتُنِيبَ مِنْ أَقْرَبِهِمَا. فَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ بِخُرَاسَانَ وَمَاتَ بِبَغْدَادَ، أَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ بِبَغْدَادَ فَمَاتَ بِخُرَاسَانَ، فَقَالَ أَحْمَدُ: يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ وَجَبَ عَلَيْهِ، لَا مِنْ حَيْثُ مَوْتِهِ.

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ مِنْ أَقْرَبِ الْمَكَانَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَيًّا فِي أَقْرَبِ الْمَكَانَيْنِ، لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ أَبْعَدَ مِنْهُ، فَكَذَلِكَ نَائِبُهُ. فَإِنْ أُحِجَّ عَنْهُ مِنْ دُون ذَلِكَ، فَقَالَ الْقَاضِي: إنْ كَانَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْقَرِيبِ، وَإِنْ كَانَ أَبْعَدَ لَمْ يُجْزِئْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَدِّ الْوَاجِبَ بِكَمَالِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُجْزِئَهُ وَيَكُونَ مُسِيئًا، كَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ، فَأَحْرَمَ مِنْ دُونِهِ.

[فَصْل خَرَجَ لِلْحَجِّ فَمَاتَ فِي الطَّرِيق]

(٢٢٤٠) فَصْلٌ: فَإِنْ خَرَجَ لِلْحَجِّ، فَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ، حُجَّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ مَاتَ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ بَعْضَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَجِبْ ثَانِيًا. وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ نَائِبُهُ، اُسْتُنِيبَ مِنْ حَيْثُ مَاتَ لِذَلِكَ.

وَلَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، ثُمَّ مَاتَ، صَحَّتْ النِّيَابَةُ عَنْهُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ النُّسُكِ، سَوَاءٌ كَانَ إحْرَامُهُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ، فَإِذَا مَاتَ بَعْدَ فِعْلِ بَعْضِهَا قَضَى عَنْهُ بَاقِيَهَا، كَالزَّكَاةِ.

[فَصْل أَوْصَى أَنْ يُحَجُّ عَنْهُ وَلَا تَبْلُغُ النَّفَقَة]

(٢٢٤١) فَصْلٌ: فَإِنْ لَمْ يُخَلِّفْ تَرِكَةً تَفِي بِالْحَجِّ مِنْ بَلَدِهِ، حُجَّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ تَبْلُغُ. وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِآدَمِيٍّ تَحَاصَّا، وَيُؤْخَذُ لِلْحَجِّ حِصَّتُهُ، فَيُحَجُّ بِهَا مِنْ حَيْثُ تَبْلُغُ.

وَقَالَ أَحْمَدُ، فِي رَجُلٍ أَوْصَى أَنْ يُحَجُّ عَنْهُ، وَلَا تَبْلُغُ النَّفَقَةُ؟ قَالَ: يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ تَبْلُغُ النَّفَقَةُ لِلرَّاكِبِ مِنْ غَيْرِ مَدِينَتِهِ. وَهَذَا لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» . وَلِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى أَدَاءِ بَعْضِ الْوَاجِبِ، فَلَزِمَهُ، كَالزَّكَاةِ. وَعَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَجَّ يَسْقُطُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ أَوْصَى بِحَجَّةٍ وَاجِبَةٍ، وَلَمْ يُخَلِّفْ مَا يَتِمُّ بِهِ حَجُّهُ، هَلْ يُحَجُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>