للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوَاجِبَاتِ.

وَاحْتَمَلَ أَنَّ لَهُ مَنْعَهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ مَنْعَهُ مِنْ الْحَجِّ الَّذِي شَرَعَ فِيهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَكَذَلِكَ هَذَا. فَإِنْ أُعْتِقَ قَبْلَ الْقَضَاءِ، فَلَيْسَ لَهُ فِعْلُهُ قَبْلَ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهَا آكَدُ. فَإِنْ أَحْرَمَ بِالْقَضَاءِ، انْصَرَفَ إلَى حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَبَقِيَ الْقَضَاءُ فِي ذِمَّتِهِ.

وَإِنْ عَتَقَ فِي أَثْنَاءِ الْحَجَّةِ الْفَاسِدَةِ، وَأَدْرَكَ مِنْ الْوُقُوفِ مَا يُجْزِئُهُ، أَجْزَأْهُ الْقَضَاءُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ لَوْ كَانَ صَحِيحًا أَجْزَأَهُ، فَكَذَلِكَ قَضَاؤُهُ. وَإِنْ أُعْتِقَ بَعْدَ ذَلِكَ، لَمْ يُجْزِئْهُ الْقَضَاءُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ لَا يُجْزِئُهُ، فَكَذَلِكَ قَضَاؤُهُ. وَالْمُدَبَّرُ، وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ، وَأُمُّ الْوَلَدِ، وَالْمُعْتَقُ بَعْضُهُ، حُكْمُهُ حُكْمُ الْقِنِّ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ.

[مَسْأَلَة الْكَلَامُ فِي حَجِّ الصَّبِيِّ فِي فُصُولٍ أَرْبَعَةٍ]

[الْفَصْل الْأَوَّلُ فِي إحْرَام الصَّبِيّ]

(٢٢٥٧) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِذَا حَجَّ بِالصَّغِيرِ، جُنِّبَ مَا يَتَجَنَّبُهُ الْكَبِيرُ، وَمَا عَجَزَ عَنْهُ مِنْ عَمَلِ الْحَجِّ عُمِلَ عَنْهُ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الصَّبِيَّ يَصِحُّ حَجُّهُ، فَإِنْ كَانَ مُمَيِّزًا أَحْرَمَ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ أَحْرَمَ عَنْهُ وَلِيُّهُ؛ فَيَصِيرُ مُحْرِمًا بِذَلِكَ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ. وَرَوِيَ عَنْ عَطَاءٍ، وَالنَّخَعِيِّ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَنْعَقِدُ إحْرَامُ الصَّبِيِّ، وَلَا يَصِيرُ مُحْرِمًا بِإِحْرَامِ وَلِيِّهِ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ سَبَبٌ يَلْزَمَ بِهِ حُكْمٌ، فَلَمْ يَصِحَّ مِنْ الصَّبِيِّ، كَالنَّذْرِ. وَلَنَا، مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: «رَفَعَتْ امْرَأَةٌ صَبِيًّا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَك أَجْرٌ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ، عَنْ السَّائِبِ بْن يَزِيدَ، قَالَ: «حَجَّ بِي مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ.» وَلِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: يَجْتَنِبُ مَا يَجْتَنِبُهُ الْمُحْرِمُ.

وَمَنْ اجْتَنَبَ مَا يَجْتَنِبُهُ الْمُحْرِمُ كَانَ إحْرَامُهُ صَحِيحًا. وَالنَّذْرُ لَا يَجِبُ بِهِ شَيْءٌ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا. وَالْكَلَامُ فِي حَجِّ الصَّبِيِّ فِي فُصُولٍ أَرْبَعَةٍ: فِي الْإِحْرَامِ عَنْهُ، أَوْ مِنْهُ، وَفِيمَا يَفْعَلُهُ بِنَفْسِهِ، أَوْ بِغَيْرِهِ، وَفِي حُكْمِ جِنَايَاتِهِ عَلَى إحْرَامِهِ، وَفِيمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ (٢٢٥٨) الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي الْإِحْرَامِ: إنْ كَانَ مُمَيِّزًا أَحْرَمَ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ. وَإِنْ أَحْرَمَ بِدُونِ إذْنِهِ، لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ هَذَا عَقْدٌ يُؤَدِّي إلَى لُزُومِ مَالٍ، فَلَمْ يَنْعَقِدْ مِنْ الصَّبِيِّ بِنَفْسِهِ، كَالْبَيْعِ.

وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ، فَأَحْرَمَ عَنْهُ مَنْ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى مَالِهِ، كَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَأَمِينِ الْحَاكِمِ، صَحَّ. وَمَعْنَى إحْرَامِهِ عَنْهُ أَنَّهُ يَعْقِدُ لَهُ الْإِحْرَامَ، فَيَصِحُّ لِلصَّبِيِّ دُونَ الْوَلِيِّ كَمَا يَعْقِدُ النِّكَاحَ لَهُ. فَعَلَى هَذَا يَصِحُّ أَنْ يَعْقِدَ الْإِحْرَامَ عَنْهُ، سَوَاءٌ كَانَ مُحْرِمًا أَوْ حَلَالًا مِمَّنْ عَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ، أَوْ كَانَ قَدْ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ. فَإِنْ أَحْرَمَتْ أُمُّهُ عَنْهُ، صَحَّ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (وَلَك أَجْرٌ) . وَلَا يُضَافُ الْأَجْرُ إلَيْهَا إلَّا لِكَوْنِهِ تَبَعًا لَهَا فِي الْإِحْرَامِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: يُحْرِمُ عَنْهُ أَبُوهُ أَوْ وَلِيُّهُ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَقَالَ: الْمَالُ الَّذِي يَلْزَمُ بِالْإِحْرَامِ لَا يَلْزَمُ الصَّبِيَّ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ مَنْ أَدْخَلَهُ فِي الْإِحْرَامِ. فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ.

وَقَالَ الْقَاضِي: ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يُحْرِمُ عَنْهُ إلَّا وَلِيُّهُ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْأُمِّ عَلَى مَالِهِ، وَالْإِحْرَامُ يَتَعَلَّقُ بِهِ إلْزَامُ

<<  <  ج: ص:  >  >>