للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدَّ لِأَهْلِ نَجْدٍ، قَرْنًا، وَهُوَ جَوْرٌ عَنْ طَرِيقِنَا، وَإِنَّا إنْ أَرَدْنَا قَرْنًا شَقَّ عَلَيْنَا. قَالَ: فَانْظُرُوا حَذْوَهَا مِنْ طَرِيقِكُمْ. فَحَدَّ لَهُمْ ذَاتَ عِرْقٍ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ وَمَنْ سَأَلَهُ لَمْ يَعْلَمُوا تَوْقِيتَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ عِرْقٍ، فَقَالَ ذَلِكَ بِرَأْيِهِ فَأَصَابَ، وَوَافَقَ قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ كَانَ كَثِيرَ الْإِصَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَإِذَا ثَبَتَ تَوْقِيتُهَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ عُمَرَ، فَالْإِحْرَامُ مِنْهُ أَوْلَى، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

[فَصْل إذَا كَانَ الْمِيقَات قَرْيَة فَانْتَقَلَتْ إلَى مَكَان آخَر فَمَوْضِع الْإِحْرَام مِنْ الْأُولَى]

(٢٢٦٥) فَصْلٌ: وَإِذَا كَانَ الْمِيقَاتُ قَرْيَةً فَانْتَقَلَتْ إلَى مَكَان آخَرَ، فَمَوْضِعُ الْإِحْرَامِ مِنْ الْأُولَى، وَإِنْ انْتَقَلَ الِاسْمُ إلَى الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ تَعَلَّقَ بِذَلِكَ الْمَوْضِع، فَلَا يَزُولُ بِخَرَابِهِ.

وَقَدْ رَأَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ رَجُلًا يُرِيدُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ حَتَّى خَرَجَ بِهِ مِنْ الْبُيُوتِ، وَقَطَعَ الْوَادِيَ، فَأَتَى بِهِ الْمَقَابِرَ، فَقَالَ: هَذِهِ ذَاتُ عِرْقٍ الْأُولَى.

[مَسْأَلَة الْمِيقَات الْمَكَانِيّ لِأَهْلِ مَكَّة إذَا أَرَادُوا الْحَجّ أَوْ الْعُمْرَة]

(٢٢٦٦) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَأَهْلُ مَكَّةَ إذَا أَرَادُوا الْعُمْرَةَ، فَمِنْ الْحِلِّ، وَإِذَا أَرَادُوا الْحَجَّ، فَمِنْ مَكَّةَ) أَهْلُ مَكَّةَ، مَنْ كَانَ بِهَا، سَوَاءٌ كَانَ مُقِيمًا بِهَا أَوْ غَيْرَ مُقِيمٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ أَتَى عَلَى مِيقَاتٍ كَانَ مِيقَاتًا لَهُ، فَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ كَانَ بِمَكَّةَ فَهِيَ مِيقَاتُهُ لِلْحَجِّ؛ وَإِنْ أَرَادَ الْعُمْرَةَ فَمِنْ الْحِلِّ. لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا. وَلِذَلِكَ «أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَنْ يُعْمِرَ عَائِشَةَ مِنْ التَّنْعِيمِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَكَانَتْ بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا» يَعْنِي لِلْحَجِّ.

وَقَالَ أَيْضًا: (وَمَنْ كَانَ أَهْلُهُ دُونَ الْمِيقَاتِ فَمِنْ حَيْثُ يُنْشِئُ، حَتَّى يَأْتِيَ ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ) . وَهَذَا فِي الْحَجِّ. فَأَمَّا فِي الْعُمْرَةِ فَمِيقَاتُهَا فِي حَقِّهِمْ الْحِلُّ، مِنْ أَيِّ جَوَانِبِ الْحَرَمِ شَاءَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِإِعْمَارِ عَائِشَةَ مِنْ التَّنْعِيمِ، وَهُوَ أَدْنَى الْحِلِّ إلَى مَكَّةَ.

وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: بَلَغَنِي «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَّتَ لِأَهْلِ مَكَّةَ التَّنْعِيمَ» . وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ، مَنْ أَتَى مِنْكُمْ الْعُمْرَةَ، فَلْيَجْعَلْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا بَطْنَ مُحَسِّرٍ. يَعْنِي إذَا أَحْرَمَ بِهَا مِنْ نَاحِيَةِ الْمُزْدَلِفَةِ. وَإِنَّمَا لَزِمَ الْإِحْرَامُ مِنْ الْحِلِّ، لِيَجْمَع فِي النُّسُكِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ، فَإِنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ مِنْ الْحَرَمِ، لَمَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِيهِ، لِأَنَّ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ كُلَّهَا فِي الْحَرَمِ، بِخِلَافِ الْحَجِّ، فَإِنَّهُ يَفْتَقِرُ إلَى الْخُرُوجِ إلَى عَرَفَةَ، فَيَجْتَمِعُ لَهُ الْحِلُّ وَالْحَرَمُ، وَالْعُمْرَةُ بِخِلَافِ ذَلِكَ. وَمِنْ أَيِّ الْحِلِّ أَحْرَمَ جَازَ.

وَإِنَّمَا أَعْمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَائِشَةَ مِنْ التَّنْعِيمِ؛ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ الْحِلِّ إلَى مَكَّةَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، فِي الْمَكِّيِّ، كُلَّمَا تَبَاعَدَ فِي الْعُمْرَةِ فَهُوَ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ، هِيَ عَلَى قَدْرِ تَعَبِهَا.

وَأَمَّا إنْ أَرَادَ

<<  <  ج: ص:  >  >>