للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذَا يَحْصُلُ بِالْإِحْرَامِ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ، فَجَازَ، كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ مِنْ الْحِلِّ، وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَصْحَابِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: «إذَا أَرَدْتُمْ أَنْ تَنْطَلِقُوا إلَى مِنًى، فَأَهِلُّوا مِنْ الْبَطْحَاءِ» . وَلِأَنَّ مَا اُعْتُبِرَ فِيهِ الْحَرَمُ اسْتَوَتْ فِيهِ الْبَلْدَةُ وَغَيْرُهَا، كَالنَّحْرِ.

[فَصْل أُحَرِّم الْحَاجّ مِنْ الْحِلّ]

(٢٢٦٨) فَصْلٌ: فَإِنْ أَحْرَمَ مِنْ الْحِلِّ؛ نَظَرْت، فَإِنْ أَحْرَمَ مِنْ الْحِلِّ الَّذِي يَلِي الْمَوْقِفَ فَعَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّهُ أَحْرَمَ مِنْ دُونِ الْمِيقَاتِ. وَإِنْ أَحْرَمَ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ، ثُمَّ سَلَكَ الْحَرَمَ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فِي رَجُلٍ أَحْرَمَ لِلْحَجِّ مِنْ التَّنْعِيمِ، فَقَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ. وَذَلِكَ لِأَنَّهُ أَحْرَمَ قَبْلَ مِيقَاتِهِ، فَكَانَ كَالْمُحْرِمِ قَبْلَ بَقِيَّةِ الْمَوَاقِيتِ. وَلَوْ أَحْرَمَ مِنْ الْحِلِّ، وَلَمْ يَسْلُكْ الْحَرَمَ، فَعَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ.

[فَصْل أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ الْحَرَم]

(٢٢٦٩) فَصْلٌ: وَإِنْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ الْحَرَمِ، انْعَقَدَ إحْرَامُهُ بِهَا، وَعَلَيْهِ دَمٌ؛ لِتَرْكِهِ الْإِحْرَامَ مِنْ الْمِيقَاتِ. ثُمَّ إنْ خَرَجَ إلَى الْحِلِّ قَبْلَ الطَّوَافِ، ثُمَّ عَادَ، أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ جَمَعَ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ.

وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ حَتَّى قَضَى عُمْرَتَهُ، صَحَّ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى بِأَرْكَانِهَا، وَإِنَّمَا أَخَلَّ بِالْإِحْرَامِ مِنْ مِيقَاتِهَا، وَقَدْ جَبَرَهُ، فَأَشْبَهَ مَنْ أَحْرَمَ مِنْ دُونِ الْمِيقَاتِ بِالْحَجِّ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي، لَا تَصِحُّ عُمْرَتُهُ؛ لِأَنَّهُ نُسُكٌ، فَكَانَ مِنْ شَرْطِهِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ، كَالْحَجِّ. فَعَلَى هَذَا وُجُودُ هَذَا الطَّوَافِ كَعَدَمِهِ، وَهُوَ بَاقٍ عَلَى إحْرَامِهِ حَتَّى يَخْرُجَ إلَى الْحِلِّ، ثُمَّ يَطُوفَ بَعْدَ ذَلِكَ وَيَسْعَى.

وَإِنْ حَلَقَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَعَلَيْهِ دَمٌ. وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا فَعَلَهُ مِنْ مَحْظُورَاتِ إحْرَامِهِ، فَعَلَيْهِ فِدْيَتُهُ. وَإِنْ وَطِئَ، أَفْسَدَ عُمْرَتَهُ، وَيَمْضِي فِي فَاسِدِهَا، وَعَلَيْهِ دَمٌ لِإِفْسَادِهَا، وَيَقْضِيهَا بِعُمْرَةٍ مِنْ الْحِلِّ. ثُمَّ إنْ كَانَتْ الْعُمْرَةُ الَّتِي أَفْسَدَهَا عُمْرَةَ الْإِسْلَامِ، أَجْزَأَهُ قَضَاؤُهَا عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ، وَإِلَّا فَلَا.

[مَسْأَلَة مِنْ كَانَ مَنْزِله دُون الْمِيقَات فَمِيقَاته مِنْ مَوْضِعه]

(٢٢٧٠) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَمَنْ كَانَ مَنْزِلُهُ دُونَ الْمِيقَاتِ، فَمِيقَاتُهُ مِنْ مَوْضِعِهِ) يَعْنِي إذَا كَانَ مَسْكَنُهُ أَقْرَبَ إلَى مَكَّةَ مِنْ الْمِيقَاتِ، كَانَ مِيقَاتُهُ مَسْكَنَهُ. هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ، وَطَاوُسٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: يُهِلُّ مِنْ مَكَّةَ. وَلَا يَصِحُّ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «فَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ، مُهَلُّهُ مِنْ أَهْلِهِ» . وَهَذَا صَرِيحٌ، وَالْعَمَلُ بِهِ أَوْلَى.

(٢٢٧١) فَصْلٌ: إذَا كَانَ مَسْكَنُهُ قَرْيَةً، فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ أَبْعَدِ جَانِبَيْهَا. وَإِنْ أَحْرَمَ مِنْ أَقْرَبِ جَانِبَيْهَا جَازَ. وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي الْمَوَاقِيتِ الَّتِي وَقَّتَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا كَانَتْ قَرْيَةً، وَالْحِلَّةُ كَالْقَرْيَةِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>