للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاقْتَصَرَ عَلَى مُجَرَّدِ النِّيَّةِ، كَفَاهُ، فِي قَوْلِ إمَامِنَا، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَنْعَقِدُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، حَتَّى تَنْضَافَ إلَيْهَا التَّلْبِيَةُ، أَوْ سَوْقُ الْهَدْيِ؛ لِمَا رَوَى خَلَّادُ بْنُ السَّائِبِ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «جَاءَنِي جِبْرِيلُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، مُرْ أَصْحَابَك أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّلْبِيَةِ» . رَوَاهُ النَّسَائِيّ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ ذَاتُ تَحْرِيمٍ وَتَحْلِيلٍ، فَكَانَ لَهَا نُطْقٌ وَاجِبٌ كَالصَّلَاةِ، وَلِأَنَّ الْهَدْيَ وَالْأُضْحِيَّةَ لَا يَجِبَانِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ كَذَلِكَ النُّسُكُ.

وَلَنَا، أَنَّهَا عِبَادَةٌ لَيْسَ فِي آخِرِهَا نُطْقٌ وَاجِبٌ، فَلَمْ يَكُنْ فِي أَوَّلِهَا، كَالصِّيَامِ، وَالْخَبَرُ الْمُرَادُ بِهِ الِاسْتِحْبَابُ، فَإِنَّ مَنْطُوقَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ، فَمَا هُوَ مِنْ ضَرُورَتِهِ أَوْلَى، وَلَوْ وَجَبَ النُّطْقُ، لَمْ يَلْزَمْ كَوْنُهُ شَرْطًا، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ وَاجِبَاتٍ الْحَجِّ غَيْرُ مُشْتَرَطَةٍ فِيهِ، وَالصَّلَاةُ فِي آخِرِهَا نُطْقٌ وَاجِبٌ، بِخِلَافِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ.

وَأَمَّا الْهَدْيُ وَالْأُضْحِيَّةُ، فَإِيجَابُ مَالٍ، فَأَشْبَهَ النَّذْرَ، بِخِلَافِ الْحَجِّ، فَإِنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ. فَعَلَى هَذَا لَوْ نَطَقَ بِغَيْرِ مَا نَوَاهُ، نَحْوُ أَنْ يَنْوِيَ الْعُمْرَةَ، فَيَسْبِقَ لِسَانُهُ إلَى الْحَجِّ، أَوْ بِالْعَكْسِ، انْعَقَدَ مَا نَوَاهُ دُونَ مَا لَفَظَ بِهِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَلَى هَذَا. وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَاجِبَ النِّيَّةُ، وَعَلَيْهَا الِاعْتِمَادُ، وَاللَّفْظُ لَا عِبْرَةَ بِهِ، فَلَمْ يُؤَثِّرْ، كَمَا لَا يُؤَثِّرُ اخْتِلَافُ النِّيَّةِ فِيمَا يُعْتَبَرُ لَهُ اللَّفْظُ دُونَ النِّيَّةِ.

[فَصْل لَبَّى أَوْ سَاقَ الْهَدْي مِنْ غَيْرِ نِيَّة]

(٢٢٩٢) فَصْلٌ: فَإِنْ لَبَّى، أَوْ سَاقَ الْهَدْيَ، مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ، لَمْ يَنْعَقِدْ إحْرَامُهُ؛ لِأَنَّ مَا اُعْتُبِرَتْ لَهُ النِّيَّةُ لَمْ يَنْعَقِدْ بِدُونِهَا، كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[مَسْأَلَة اشْتِرَاط الْمَحْصِر عِنْدَ الْإِحْرَامِ]

(٢٢٩٣) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَيَشْتَرِطُ فَيَقُولُ: إنْ حَبَسَنِي حَابِسٌ فَمَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي. فَإِنْ حُبِسَ حَلَّ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي حُبِسَ فِيهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَحْرَمَ بِنُسُكٍ، أَنْ يَشْتَرِطَ عِنْدَ إحْرَامِهِ، فَيَقُولَ: إنْ حَبَسَنِي حَابِسٌ، فَمَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتنِي. وَيُفِيدُ هَذَا الشَّرْطُ شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا، أَنَّهُ إذَا عَاقَهُ عَائِقٌ مِنْ عَدُوٍّ، أَوْ مَرَضٍ، أَوْ ذَهَابِ نَفَقَةٍ، وَنَحْوه، أَنَّ لَهُ التَّحَلُّلَ.

وَالثَّانِي، أَنَّهُ مَتَى حَلَّ بِذَلِكَ، فَلَا دَمَ عَلَيْهِ وَلَا صَوْمَ. وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ رَأَى الِاشْتِرَاطَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ؛ عُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَعَمَّارٌ. وَذَهَبَ إلَيْهِ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ، وَعَلْقَمَةُ، وَالْأَسْوَدُ، وَشُرَيْحٌ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَعَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ، وَعِكْرِمَةُ، وَالشَّافِعِيُّ إذْ هُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>