للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ دَلَّ الْمُحْرِم مُحْرِمًا عَلَى الصَّيْد فَقَتَلَهُ]

(٢٣٤٢) فَصْلٌ: فَإِنْ دَلَّ مُحْرِمًا عَلَى الصَّيْدِ، فَقَتَلَهُ فَالْجَزَاءُ بَيْنَهُمَا. وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ، وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَالْحَارِثُ الْعُكْلِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ جَزَاءٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْفِعْلَيْنِ يَسْتَقِلُّ بِجَزَاءٍ كَامِلٍ إذَا كَانَ مُنْفَرِدًا. فَكَذَلِكَ إذَا انْضَمَّ إلَيْهِ غَيْرُهُ.

وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: لَا ضَمَانَ عَلَى الدَّالِ. وَلَنَا، أَنَّ الْوَاجِبَ جَزَاءُ الْمُتْلَفِ، وَهُوَ وَاحِدٌ، فَيَكُونُ الْجَزَاءُ وَاحِدًا، وَعَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ مَا سَبَقَ، وَلَا فَرْقَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ بَيْنَ كَوْنِ الْمَدْلُولِ ظَاهِرًا أَوْ خَفِيًّا لَا يَرَاهُ إلَّا بِالدَّلَالَةِ عَلَيْهِ.

وَلَوْ دَلَّ مُحْرِمٌ مُحْرِمًا عَلَى صَيْدٍ، ثُمَّ دَلَّ الْآخَرُ آخَرَ، ثُمَّ كَذَلِكَ إلَى عَشَرَةٍ، فَقَتَلَهُ الْعَاشِرُ، كَانَ الْجَزَاءُ عَلَى جَمِيعِهِمْ. وَإِنْ قَتَلَهُ الْأَوَّلُ، لَمْ يَضْمَنْ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدُلَّهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ، فَلَا يُشَارِكُهُ فِي ضَمَانِهِ أَحَدٌ.

وَلَوْ كَانَ الْمَدْلُولُ رَأَى الصَّيْدَ قَبْلَ الدَّلَالَةِ وَالْإِشَارَةِ، فَلَا شَيْءَ عَلَى الدَّالِ وَالْمُشِيرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ سَبَبًا فِي تَلَفِهِ، وَلِأَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ دَلَالَةً عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَكَذَلِكَ إنْ وُجِدَ مِنْ الْمُحْرِمِ حَدَثٌ عِنْدَ رُؤْيَةِ الصَّيْدِ، مِنْ ضَحِكٍ، أَوْ اسْتِشْرَافٍ إلَى الصَّيْدِ، فَفَطِنَ لَهُ غَيْرُهُ فَصَادَهُ، فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُحْرِمِ؛ بِدَلِيلِ مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى إذَا كُنَّا بِالْقَاحَّةِ، وَمِنَّا الْمُحْرِمُ، وَمِنَّا غَيْرُ الْمُحْرِمِ، إذْ بَصُرْت بِأَصْحَابِي يَتَرَاءَوْنَ شَيْئًا، فَنَظَرْت، فَإِذَا حِمَارُ وَحْشٍ» . وَفِي لَفْظٍ: «فَبَيْنَا أَنَا مَعَ أَصْحَابِي يَضْحَكُ بَعْضُهُمْ، إذْ نَظَرْت، فَإِذَا أَنَا بِحِمَارِ وَحْشٍ» . وَفِي لَفْظٍ: «فَلَمَّا كُنَّا بِالصِّفَاحِ فَإِذَا هُمْ يَتَرَاءَوْنَ. فَقُلْت: أَيَّ شَيْءٍ تَنْظُرُونَ؟ فَلَمْ يُخْبِرُونِي» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

[فَصْل أَعَارَ الْمُحْرِم قَاتَلَ الصَّيْد سِلَاحًا]

(٢٣٤٣) فَصْلٌ: فَإِنْ أَعَارَ قَاتِلَ الصَّيْدِ سِلَاحًا، فَقَتَلَهُ بِهِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ دَلَّهُ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُسْتَعَارُ مِمَّا لَا يَتِمُّ قَتْلُهُ إلَّا بِهِ، أَوْ أَعَارَهُ شَيْئًا هُوَ مُسْتَغْنٍ عَنْهُ، مِثْلَ أَنْ يُعِيرَهُ رُمْحًا وَمَعَهُ رُمْحٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَعَانَهُ عَلَيْهِ بِمُنَاوَلَتِهِ سَوْطَهُ أَوْ رُمْحَهُ، أَوْ أَمَرَهُ بِاصْطِيَادِهِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ، وَقَوْلِ أَصْحَابِهِ: وَاَللَّهِ لَا نُعِينُك عَلَيْهِ بِشَيْءٍ. وَقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا، أَوْ أَشَارَ إلَيْهَا؟» . وَكَذَلِكَ إنْ أَعَارَهُ سِكِّينًا، فَذَبَحَهُ بِهَا. فَإِنْ أَعَارَهُ آلَةً لِيَسْتَعْمِلهَا فِي غَيْرِ الصَّيْدِ، فَاسْتَعْمَلَهَا فِي الصَّيْدِ، لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُحَرَّمٍ عَلَيْهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ ضَحِكَ عِنْدَ رُؤْيَةِ الصَّيْدِ، فَفَطِنَ لَهُ إنْسَانٌ، فَصَادَهُ.

[فَصْلٌ دَلَّ الْحَلَّال مُحْرِمًا عَلَى الصَّيْد فَقَتَلَهُ]

(٢٣٤٤) فَصْلٌ: وَإِنْ دَلَّ الْحَلَالُ مُحْرِمًا عَلَى الصَّيْدِ، فَقَتَلَهُ، فَلَا شَيْءَ عَلَى الْحَلَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَضْمَنُ الصَّيْدَ بِالْإِتْلَافِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>