للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَحْمِ الْوَحْشِ، فَبَعَثَ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَجَاءَهُ فَقَالَ: أَطْعِمُوهُ قَوْمًا حَلَالًا، فَأَنَا حُرُمٌ. ثُمَّ قَالَ عَلِيٌّ: أَنْشُدُ اللَّهَ مَنْ كَانَ هَاهُنَا مِنْ أَشْجَعَ، أَتَعْلَمُونَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْدَى إلَيْهِ رَجُلٌ حِمَارَ وَحْشٍ، فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَهُ» ؟ قَالُوا: نَعَمْ. وَلِأَنَّهُ لَحْمُ صَيْدٍ فَحَرُمَ عَلَى الْمُحْرِمِ، كَمَا لَوْ دَلَّ عَلَيْهِ.

وَلَنَا، مَا رَوَى جَابِرٌ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «صَيْدُ الْبَرِّ لَكُمْ حَلَالٌ مَا لَمْ تَصِيدُوهُ، أَوْ يُصَدْ لَكُمْ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هُوَ أَحْسَنُ حَدِيثٍ فِي الْبَابِ. وَهَذَا صَرِيحٌ فِي الْحُكْمِ،؛ وَفِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ، وَبَيَانُ الْمُخْتَلِفِ مِنْهَا، فَإِنَّ تَرْكَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْأَكْلِ مِمَّا أُهْدِيَ إلَيْهِ، يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِعِلْمِهِ أَنَّهُ صِيدَ مِنْ أَجْلِهِ أَوْ ظَنِّهِ، وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى ذَلِكَ، لِمَا قَدَّمْت مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ، وَأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْحَابَهُ بِأَكْلِ الْحِمَارِ الَّذِي صَادَهُ. وَعَنْ طَلْحَةَ، «أَنَّهُ أُهْدِيَ لَهُ طَيْرٌ، وَهُوَ رَاقِدٌ، فَأَكَلَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ وَهُمْ مُحْرِمُونَ، وَتَوَرَّعَ بَعْضٌ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ طَلْحَةُ وَافَقَ مَنْ أَكَلَهُ، وَقَالَ: أَكَلْنَاهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَفِي (الْمُوَطَّأِ) ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ يُرِيدُ مَكَّةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، حَتَّى إذَا كَانَ بِالرَّوْحَاءِ، إذَا حِمَارُ وَحْشٍ عَقِيرٌ، فَجَاءَ الْبَهْزِيُّ وَهُوَ صَاحِبُهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّه، شَأْنَكُمْ بِهَذَا الْحِمَارِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا بَكْرٍ فَقَسَمَهُ بَيْنَ الرِّفَاقِ» . وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَأَحَادِيثُهُمْ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا ذِكْرٌ أَنَّهُ صِيدَ مِنْ أَجْلِهِمْ، فَتَعَيَّنَ ضَمُّ هَذَا الْقَيْدِ إلَيْهَا لِحَدِيثِنَا، وَجَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ، وَدَفْعًا لِلتَّنَاقُضِ عَنْهَا، وَلِأَنَّهُ صِيدَ لِلْمُحْرِمِ، فَحُرِّمَ، كَمَا لَوْ أَمَرَ أَوْ أَعَانَ.

[فَصْلٌ مَا حَرُمَ عَلَى الْمُحْرِمِ مِنْ الصَّيْد لَمْ يَحْرُمْ عَلَى الْحَلَالِ]

(٢٣٤٧) فَصْلٌ: وَمَا حَرُمَ عَلَى الْمُحْرِمِ، لِكَوْنِهِ صِيدَ مِنْ أَجْلِهِ، أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ، أَوْ أَعَانَ عَلَيْهِ، لَمْ يَحْرُمْ عَلَى الْحَلَالِ أَكْلُهُ؛ لِقَوْلِ عَلِيٍّ، أَطْعِمُوهُ حَلَالًا. وَقَدْ بَيَّنَّا حَمْلَهُ عَلَى أَنَّهُ صِيدَ مِنْ أَجْلِهِمْ، وَحَدِيثِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ، حِينَ رَدَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّيْدَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَنْهَهُ عَنْ أَكْلِهِ. وَلِأَنَّهُ صَيْدٌ حَلَالٌ، فَأُبِيحَ لِلْحَلَالِ أَكْلُهُ، كَمَا لَوْ صِيدَ لَهُمْ. وَهَلْ يُبَاحُ أَكْلُهُ لِمُحْرِمٍ آخَرَ؟ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ إبَاحَتُهُ لَهُ؛ لِقَوْلِهِ: «صَيْدُ الْبَرِّ لَكُمْ حَلَالٌ، مَا لَمْ تَصِيدُوهُ، أَوْ يُصَدْ لَكُمْ» . وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ أُهْدِيَ إلَيْهِ صَيْدٌ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: كُلُوا. وَلَمْ يَأْكُلْ هُوَ، وَقَالَ: إنَّمَا صِيدَ مِنْ أَجْلِي. وَلِأَنَّهُ لَمْ يُصَدْ مِنْ أَجْلِهِ، فَحَلَّ لَهُ كَمَا لَوْ صَادَهُ الْحَلَالُ لِنَفْسِهِ.

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَحْرُمَ عَلَيْهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>