للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصَّيْدُ بَعْدَ إحْرَامِهِ. وَيُكْرَهُ أَكْلُهُ؛ لِمَوْتِهِ فِي الْحَرَمِ.

[فَصْل وَقَفَ صَيْدٌ بَعْضُ قَوَائِمه فِي الْحِلِّ وَبَعْضُهَا فِي الْحَرَمِ فَقَتَلَهُ قَاتِلٌ]

(٢٤٠٩) فَصْلٌ: وَإِنْ وَقَفَ صَيْدٌ، بَعْضُ قَوَائِمِهِ فِي الْحِلِّ، وَبَعْضُهَا فِي الْحَرَمِ، فَقَتَلَهُ قَاتِلٌ، ضَمِنَهُ تَغْلِيبًا لِلْحَرَمِ. وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَإِنْ نَفَّرَ صَيْدًا مِنْ الْحَرَمِ، فَأَصَابَهُ شَيْءٌ فِي حَالِ نُفُورِهِ، ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ إلَى إتْلَافِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ تَلِفَ بِشَرَكِهِ أَوْ شَبَكَتِهِ. وَإِنْ سَكَنَ مِنْ نُفُورِهِ، ثُمَّ أَصَابَهُ شَيْءٌ، فَلَا شَيْءَ عَلَى مَنْ نَفَّرَهُ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ.

وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ سَبَبًا لِإِتْلَافِهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ وَقَعَتْ عَلَى رِدَائِهِ حَمَامَةٌ، فَأَطَارَهَا، فَوَقَعَتْ عَلَى وَاقِفٍ فَانْتَهَزَتْهَا حَيَّةٌ، فَاسْتَشَارَ فِي ذَلِكَ عُثْمَانَ وَنَافِعَ بْنَ عَبْدِ الْحَارِث فَحَكَمَا عَلَيْهِ بِشَاةٍ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ رَأَوْا عَلَيْهِ الضَّمَانَ بَعْدَ سُكُوتِهِ. لَكِنْ لَوْ انْتَقَلَ عَنْ الْمَكَانِ الثَّانِي، فَأَصَابَهُ شَيْءٌ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ الْمَكَانِ الَّذِي طَرْد إلَيْهِ، وَقَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَحْمَدَ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّ سُفْيَان قَالَ: إذَا طَرَدْت فِي الْحَرَمِ شَيْئًا، فَأَصَابَ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يَقَعَ، أَوْ حِينَ وَقَعَ، ضَمِنْت، وَإِنْ وَقَعَ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ إلَى مَكَان آخَرَ، فَلَيْسَ عَلَيْك شَيْءٌ. فَقَالَ أَحْمَدُ: جَيِّدٌ.

[مَسْأَلَة قَطْعِ شَجَرِ الْحَرَمِ]

(٢٤١٠) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَكَذَلِكَ شَجَرُهُ وَنَبَاتُهُ، إلَّا الْإِذْخِرَ، وَمَا زَرَعَهُ الْإِنْسَانُ) أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى تَحْرِيمِ قَطْعِ شَجَرِ الْحَرَمِ، وَإِبَاحَةِ أَخْذِ الْإِذْخِر، وَمَا أَنْبَتَهُ الْآدَمِيُّ مِنْ الْبُقُولِ وَالزُّرُوعِ وَالرَّيَاحِينِ. حَكَى ذَلِكَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَرَوَى أَبُو شُرَيْحٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ نَحْوًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَكُلُّهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا.

وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَلَا وَإِنَّهَا سَاعَتِي هَذِهِ حَرَامٌ، لَا يُخْتَلَى شَوْكُهَا، وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا» . وَفِي حَدِيثِ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْفَتْحِ، قَالَ: «إنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ، وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا، وَلَا يَعْضُدَ بِهَا شَجَرَةً» . وَرَوَى الْأَثْرَمُ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةِ، فِي (سُنَنِهِ) ، وَفِيهِ: «لَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا، وَلَا يُحْتَشُّ حَشِيشُهَا، وَلَا يُصَادُ صَيْدُهَا» . فَأَمَّا مَا أَنْبَتَهُ الْآدَمِيُّ مِنْ الشَّجَرِ، فَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ: لَهُ قَلْعُهُ مِنْ غَيْرِ ضَمَانٍ، كَالزَّرْعِ.

وَقَالَ الْقَاضِي: مَا نَبَتَ فِي الْحِلِّ، ثُمَّ غُرِسَ فِي الْحَرَمِ، فَلَا جَزَاءَ فِيهِ، وَمَا نَبَتَ أَصْلُهُ فِي الْحَرَمِ. فَفِيهِ الْجَزَاءُ بِكُلِّ حَالٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي شَجَرِ الْحَرَمِ الْجَزَاءُ بِكُلِّ حَالٍ، أَنْبَتَهُ الْآدَمِيُّونَ، أَوْ نَبَتَ بِنَفْسِهِ؛ لِعُمُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا» . وَلِأَنَّهَا شَجَرَةٌ نَابِتَةٌ فِي الْحَرَمِ، أَشْبَهَ مَا لَمْ يُنْبِتْهُ الْآدَمِيُّونَ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا جَزَاءَ فِيمَا يُنْبِتُ الْآدَمِيُّونَ جِنْسَهُ، كَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالنَّخْلِ وَنَحْوِهِ، وَلَا يَجِبُ فِيمَا يُنْبِتُهُ الْآدَمِيُّ مِنْ غَيْرِهِ، كَالدَّوْحِ وَالسَّلَم وَالْعِضَاهِ؛ لِأَنَّ الْحَرَمِ يَخْتَصُّ تَحْرِيمُهُ مَا كَانَ وَحْشِيًّا مِنْ الصَّيْدِ، كَذَلِكَ الشَّجَرُ. وَقَوْلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>