للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ فَلَمْ يَفْعَلْهُ، أَوْ بَدَأَ بِالطَّوَافِ مِنْ دُونِ الرُّكْنِ، كَالْبَابِ وَنَحْوِهِ، لَمْ يُحْتَسَبْ لَهُ بِذَلِكَ الشَّوْطِ، وَيُحْتَسَبُ بِالشَّوْطِ الثَّانِي وَمَا بَعْدَهُ، وَيَصِيرُ الثَّانِي أَوَّلَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَاذَى فِيهِ الْحَجَرَ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ، وَأَتَى عَلَى جَمِيعِهِ، فَإِذَا أَكْمَلَ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ غَيْرَ الْأَوَّلِ، صَحَّ طَوَافُهُ، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ.

(٢٤٥٣) فَصْلٌ: وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ، إلَّا أَنَّهَا إذَا قَدِمَتْ مَكَّةَ نَهَارًا، فَأَمِنَتْ الْحَيْضَ وَالنِّفَاسَ، اُسْتُحِبَّ لَهَا تَأْخِيرُ الطَّوَافِ إلَى اللَّيْلِ، لِيَكُونَ أَسْتَرَ لَهَا. وَلَا يُسْتَحَبُّ لَهَا مُزَاحَمَةُ الرِّجَالِ لِاسْتِلَامِ الْحَجَرِ، لَكِنْ تُشِيرُ بِيَدِهَا إلَيْهِ، كَاَلَّذِي لَا يُمْكِنْهُ الْوُصُولُ إلَيْهِ، كَمَا رَوَى عَطَاءٌ، قَالَ: كَانَتْ عَائِشَةُ تَطُوفُ حُجْزَةً مِنْ الرِّجَالِ، لَا تُخَالِطُهُمْ، فَقَالَتْ امْرَأَةٌ: انْطَلِقِي نَسْتَلِمْ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَتْ: انْطَلِقِي عَنْك. وَأَبَتْ. وَإِنْ خَافَتْ حَيْضًا أَوْ نِفَاسًا، اُسْتُحِبَّ لَهَا تَعْجِيلُ الطَّوَافِ، كَيْ لَا يَفُوتَهَا.

[مَسْأَلَة يُسْتَحَبُّ الِاضْطِبَاعُ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ]

(٢٤٥٤) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَيَضْطَبِعُ بِرِدَائِهِ) مَعْنَى الِاضْطِبَاعِ أَنْ يَجْعَلَ وَسَطَ الرِّدَاءِ تَحْتَ كَتِفِهِ الْيُمْنَى، وَيَرُدَّ طَرَفَيْهِ عَلَى كَتِفِهِ الْيُسْرَى، وَيُبْقِيَ كَتِفَهُ الْيُمْنَى مَكْشُوفَةً. وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الضَّبُعِ، وَهُوَ عَضُدُ الْإِنْسَانِ، افْتِعَالٌ مِنْهُ، وَكَانَ أَصْلُهُ اضْتَبَعَ، فَقَلَبُوا التَّاءَ طَاءً؛ لِأَنَّ التَّاءَ مَتَى وُضِعَتْ بَعْدَ ضَادٍ أَوْ صَادٍ أَوْ طَاءٍ سَاكِنَةٍ قُلِبَتْ طَاءً. وَيُسْتَحَبُّ الِاضْطِبَاعُ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ؛ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ، عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «طَافَ مُضْطَبِعًا.» وَرَوَيَا أَيْضًا، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ اعْتَمَرُوا مِنْ الْجِعْرَانَةِ، فَرْمَلُوا بِالْبَيْتِ، وَجَعَلُوا أَرْدَيْتَهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ، ثُمَّ قَذَفُوهَا عَلَى عَوَاتِقِهِمْ الْيُسْرَى» . وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ.

وَقَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ الِاضْطِبَاعُ بِسُنَّةٍ. وَقَالَ: لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا يَذْكُرُ أَنَّ الِاضْطِبَاعَ سُنَّةٌ. وَقَدْ ثَبَتَ بِمَا رَوَيْنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ فَعَلُوهُ، وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِاتِّبَاعِهِ، وَقَالَ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: ٢١] .

وَقَدْ رَوَى أَسْلَمُ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَنَّهُ اضْطَبَعَ وَرَمَلَ، وَقَالَ: فَفِيمَ الرَّمَلُ، وَلَمْ نُبْدِي مَنَاكِبَنَا وَقَدْ نَفَى اللَّهُ الْمُشْرِكِينَ؟ بَلَى، لَنْ نَدَعَ شَيْئًا فَعَلْنَاهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَإِذَا فَرَغَ مِنْ الطَّوَافِ سَوَّى رِدَاءَهُ؛ لِأَنَّ الِاضْطِبَاعَ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ فِي الصَّلَاةِ.

وَقَالَ الْأَثْرَمُ: إذَا فَرَغَ مِنْ الْأَشْوَاطِ الَّتِي يَرْمُلُ فِيهَا، سَوَّى رِدَاءَهُ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: طَافَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُضْطَبِعًا. يَنْصَرِفُ إلَى جَمِيعِهِ. وَلَا يَضْطَبِعُ

<<  <  ج: ص:  >  >>