للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقُدُومِ، أَتَى بِهِمَا فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ؛ لِأَنَّهُمَا سُنَّةٌ أَمْكَنَ قَضَاؤُهَا، فَتُقْضَى كَسُنَنِ الصَّلَاةِ.

وَهَذَا لَا يَصِحُّ؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِي مَنْ تَرَكَهُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ، لَا يَقْضِيهِ فِي الْأَرْبَعَةِ، وَكَذَلِكَ مَنْ تَرَكَ الْجَهْرَ فِي صَلَاةِ الْجَهْرِ، لَا يَقْضِيهِ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَلَا يَقْتَضِي الْقِيَاسُ أَنْ تُقْضَى هَيْئَةُ عِبَادَةٍ فِي عِبَادَةٍ أُخْرَى. قَالَ الْقَاضِي: وَلَوْ طَافَ فَرَمَلَ وَاضْطَبَعَ، وَلَمْ يَسْعَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَإِذَا طَافَ بَعْدَ ذَلِكَ لِلزِّيَارَةِ، رَمَلَ فِي طَوَافِهِ؛ لِأَنَّهُ يَرْمُلُ فِي السَّعْيِ بَعْدَهُ، وَهُوَ تَبَعٌ لِلطَّوَافِ، فَلَوْ قُلْنَا: لَا يَرْمُلُ فِي الطَّوَافِ، أَفْضَى إلَى أَنْ يَكُونَ التَّبَعُ أَكْمَلَ مِنْ الْمَتْبُوعِ.

وَهَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٍ، وَالشَّافِعِيِّ. وَهَذَا لَا يَثْبُتُ بِمِثْلِ هَذَا الرَّأْيِ الضَّعِيفِ؛ فَإِنَّ الْمَتْبُوعَ لَا تَتَغَيَّرُ هَيْئَتُهُ تَبَعًا لِتَبَعِهِ، وَلَوْ كَانَا مُتَلَازِمَيْنِ، لَكَانَ تَرْكُ الرَّمَلِ فِي السَّعْيِ تَبَعًا لِعَدَمِهِ فِي الطَّوَافِ أَوْلَى مِنْ الرَّمَلِ فِي الطَّوَافِ تَبَعًا لِلسَّعْيِ.

[فَصْل تَرَكَ الرَّمَلَ فِي شَوْطٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ]

(٢٤٥٨) فَصْلٌ: فَإِنْ تَرَكَ الرَّمَلَ فِي شَوْطٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ، أَتَى بِهِ فِي الِاثْنَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ. وَإِنْ تَرَكَهُ فِي اثْنَيْنِ أَتَى بِهِ فِي الثَّالِثِ. وَإِنْ تَرَكَهُ فِي الثَّلَاثَةِ سَقَطَ. كَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُ لِلْهَيْئَةِ فِي بَعْضِ مَحِلِّهَا لَا يُسْقِطُهَا فِي بَقِيَّةِ مَحِلِّهَا، كَتَارِكِ الْجَهْرِ فِي إحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ، لَا يُسْقِطُهُ فِي الثَّانِيَةِ.

[مَسْأَلَة لَيْسَ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ رَمَلَ]

(٢٤٥٩) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَلَيْسَ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ رَمَلٌ) وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ لَمْ يَرْمُلْ. وَهَذَا لِأَنَّ الرَّمَلَ إنَّمَا شُرِعَ فِي الْأَصْلِ لِإِظْهَارِ الْجَلَدِ وَالْقُوَّةِ لِأَهْلِ الْبَلَدِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَعْدُومٌ فِي أَهْلِ الْبَلَدِ، وَالْحُكْمُ فِي مَنْ أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ حُكْمُ أَهْلِ مَكَّةَ؛ لِمَا ذَكَرْنَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَلِأَنَّهُ أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ، أَشْبَهَ أَهْلَ الْبَلَدِ. وَالْمُتَمَتِّعُ إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ، ثُمَّ عَادَ، وَقُلْنَا: يُشْرَعُ فِي حَقِّهِ طَوَافُ الْقُدُومِ. لَمْ يَرْمُلْ فِيهِ. قَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ رَمَلٌ عِنْدَ الْبَيْتِ، وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ.

[مَسْأَلَة إذَا نَسِيَ الْمُحْرِم الرَّمَلَ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ]

(٢٤٦٠) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَمَنْ نَسِيَ الرَّمَلَ، فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ) إنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الرَّمَلَ هَيْئَةٌ، فَلَا يَجِبُ بِتَرْكِهِ إعَادَةٌ، وَلَا شَيْءٌ، كَهَيْئَاتِ الصَّلَاةِ، وَكَالِاضْطِبَاعِ فِي الطَّوَافِ. وَلَوْ تَرَكَهُ عَمْدًا، لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ أَيْضًا. وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ، إلَّا مَا حُكِيَ عَنْ الْحَسَنِ، وَالثَّوْرِيِّ، وَعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمَاجِشُونِ، أَنَّ عَلَيْهِ دَمًا؛ لِأَنَّهُ نُسُكٌ.

وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مِنْ تَرَكَ نُسُكًا، فَعَلَيْهِ دَمٌ» . وَلَنَا، أَنَّهُ هَيْئَةٌ غَيْرُ وَاجِبَةٍ، فَلَمْ يَجِبْ بِتَرْكِهَا شَيْءٌ، كَالِاضْطِبَاعِ، وَالْخَبَرُ إنَّمَا يَصِحُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَنْ تَرَكَ الرَّمَلَ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. ثُمَّ هُوَ مَخْصُوصٌ بِمَا ذَكَرْنَا؛ وَلِأَنَّ طَوَافَ

<<  <  ج: ص:  >  >>