للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ بَعْدِي أَنْ يَبْنُوا، فَهَلُمِّي لِأُرِيَك مَا تَرَكُوا مِنْهَا. فَأَرَاهَا قَرِيبًا مِنْ سَبْعَةِ أَذْرُعٍ» رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ. وَعَنْهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَتْ: «قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي نَذَرْت أَنْ أُصَلِّيَ فِي الْبَيْتِ. قَالَ: صَلِّي فِي الْحِجْرِ، فَإِنَّ الْحِجْرَ مِنْ الْبَيْتِ. وَفِي لَفْظٍ، قَالَتْ: كُنْت أُحِبُّ أَنْ أَدْخُلَ الْبَيْتَ، فَأُصَلِّيَ فِيهِ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِي، فَأَدْخَلَنِي الْحِجْرَ، وَقَالَ: صَلِّي فِي الْحِجْرِ إنْ أَرَدْت دُخُولَ الْبَيْتِ، فَإِنَّمَا هُوَ قِطْعَةٌ مِنْ الْبَيْتِ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. فَمَنْ تَرَكَ الطَّوَافَ بِالْحِجْرِ لَمْ يَطُفْ بِجَمِيعِ الْبَيْتِ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ تَرَكَ الطَّوَافَ بِبَعْضِ الْبِنَاءِ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَافَ مِنْ وَرَاءِ الْحِجْرِ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» . (٢٤٦٩) فَصْلٌ: وَلَوْ طَافَ عَلَى جِدَارِ الْحِجْرِ، وَشَاذَرْوَانِ الْكَعْبَةِ، وَهُوَ مَا فَضَلَ مِنْ حَائِطِهَا، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْبَيْتِ، فَإِذَا لَمْ يَطُفْ بِهِ، فَلَمْ يَطُفْ بِكُلِّ الْبَيْتِ؛ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَافَ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ.

[فَصْل نَكَّسَ الطَّوَافَ فَجَعَلَ الْبَيْتَ عَلَى يَمِينِهِ]

(٢٤٧٠) فَصْلٌ: وَلَوْ نَكَّسَ الطَّوَافَ، فَجَعَلَ الْبَيْتَ عَلَى يَمِينِهِ، لَمْ يُجْزِئْهُ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُعِيدُ مَا كَانَ بِمَكَّةَ، فَإِنْ رَجَعَ جَبَرَهُ بِدَمٍ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ هَيْئَةً فَلَمْ تَمْنَعْ الْإِجْزَاءَ، كَمَا لَوْ تَرَكَ الرَّمَلَ وَالِاضْطِبَاعَ.

وَلَنَا، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ الْبَيْتَ فِي الطَّوَافِ عَلَى يَسَارِهِ، وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» . وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْبَيْتِ، فَكَانَ التَّرْتِيبُ فِيهَا وَاجِبًا كَالصَّلَاةِ، وَمَا قَاسُوا عَلَيْهِ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرْنَا، كَمَا اخْتَلَفَ حُكْمُ هَيْئَةِ الصَّلَاةِ وَتَرْتِيبِهَا.

[مَسْأَلَة يُسَنُّ لِلطَّائِفِ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَ فَرَاغِهِ رَكْعَتَيْنِ خَلْفَ الْمَقَامِ]

(٢٤٧١) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ خَلْفَ الْمَقَامِ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ يُسَنُّ لِلطَّائِفِ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَ فَرَاغِهِ رَكْعَتَيْنِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْكَعَهُمَا خَلْفَ الْمَقَامِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: ١٢٥] . وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِيهِمَا {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: ١] فِي الْأُولَى، {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: ١] فِي الثَّانِيَةِ، فَإِنَّ جَابِرًا رَوَى فِي «صِفَةِ حَجَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: حَتَّى أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ، اسْتَلَمَ الرُّكْنَ، فَرَمَلَ ثَلَاثًا، وَمَشَى أَرْبَعًا، ثُمَّ نَفَذَ إلَى مَقَامِ إبْرَاهِيمَ، فَقَرَأَ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: ١٢٥] فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ» .

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ: وَلَا أَعْلَمُهُ إلَّا ذَكَرَهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: ١] ، وَ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: ١] . وَحَيْثُ رَكَعَهُمَا وَمَهْمَا قَرَأَ فِيهِمَا، جَازَ؛ فَإِنَّ عُمَرَ رَكَعَهُمَا بِذِي طُوًى. وَرُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِأُمِّ سَلَمَةَ: إذَا أُقِيمَتْ صَلَاةُ الصُّبْحِ، فَطُوفِي عَلَى بَعِيرِك وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>