للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بْنَ أَيُّوبَ يَقُول: سَمِعْت إبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيَّ يَقُولُ، وَسُئِلَ عَنْ فَسْخِ الْحَجِّ، فَقَالَ: قَالَ سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، كُلُّ شَيْءٍ مِنْك حَسَنٌ جَمِيلٌ، إلَّا خَلَّةً وَاحِدَةً. فَقَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ تَقُولُ بِفَسْخِ الْحَجِّ. فَقَالَ أَحْمَدُ: قَدْ كُنْت أَرَى أَنَّ لَك عَقْلًا، عِنْدِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ حَدِيثًا صِحَاحًا جِيَادًا، كُلُّهَا فِي فَسْخِ الْحَجِّ، أَتْرُكُهَا لِقَوْلِك

وَقَدْ رَوَى فَسْخَ الْحَجِّ ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَجَابِرٌ، وَعَائِشَةُ، وَأَحَادِيثُهُمْ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا. وَرَوَاهُ غَيْرُهُمْ، وَأَحَادِيثُهُمْ كُلُّهَا صِحَاحٌ. قَالَ أَحْمَدُ: رُوِيَ الْفَسْخُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَعَائِشَةَ، وَأَسْمَاءَ، وَالْبَرَاءِ، وَابْنِ عُمَرَ، وَسَبْرَةَ الْجُهَنِيِّ، وَفِي لَفْظِ حَدِيثِ جَابِرٍ، قَالَ: «أَهْلَلْنَا أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْحَجِّ خَالِصًا وَحْدَهُ، وَلَيْسَ مَعَهُ عُمْرَةٌ، فَقَدِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صُبْحَ رَابِعَةٍ مَضَتْ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، فَلَمَّا قَدِمْنَا، أَمَرَنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَحِلَّ، قَالَ: حِلُّوا، وَأُصِيبُوا مِنْ النِّسَاءِ. قَالَ: فَبَلَغَهُ عَنَّا أَنَّا نَقُولُ: لَمْ يَكُنْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ عَرَفَةَ إلَّا خَمْسُ لَيَالٍ، أَمَرَنَا أَنْ نَحِلَّ إلَى نِسَائِنَا، فَنَأْتِيَ عَرَفَةَ تَقْطُرُ مَذَاكِيرُنَا الْمَنِيَّ. قَالَ: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي أَتْقَاكُمْ لِلَّهِ، وَأَصْدَقُكُمْ، وَأَبَرُّكُمْ، وَلَوْلَا هَدْيِي لَحَلَلْت كَمَا تَحِلُّونَ، فَحِلُّوا، وَلَوْ اسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت، مَا أَهْدَيْت. قَالَ: فَحَلَلْنَا، وَسَمِعْنَا، وَأَطَعْنَا. قَالَ فَقَالَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ الْمُدْلِجِيُّ: مُتْعَتُنَا هَذِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِعَامِنَا هَذَا، أَمْ لِلْأَبَدِ؟ فَظَنَّهُ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَنَّهُ قَالَ: لِلْأَبَدِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَأَمَّا حَدِيثُهُمْ، فَقَالَ أَحْمَدُ: رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الْحَارِثُ بْنُ بِلَالٍ، فَمَنْ الْحَارِثُ بْنُ بِلَالٍ؟ يَعْنِي أَنَّهُ مَجْهُولٌ. وَلَمْ يَرْوِهِ إلَّا الدَّرَاوَرْدِيُّ، وَحَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ رَوَاهُ مُرَقِّعٌ الْأَسَدِيُّ، فَمَنْ مُرَقِّعٌ الْأَسَدِيُّ، شَاعِرٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَلَمْ يَلْقَ أَبَا ذَرٍّ. فَقِيلَ لَهُ: أَفَلَيْسَ قَدْ رَوَى الْأَعْمَشُ عَنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيَّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ؟ قَالَ: كَانَتْ مُتْعَةُ الْحَجِّ لَنَا خَاصَّةً أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ: أَفَيَقُولُ بِهَذَا أَحَدٌ؟ الْمُتْعَةُ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَقَدْ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّهَا جَائِزَةٌ. قَالَ الْجُوزَجَانِيُّ: مُرَقِّعٌ الْأَسَدِيُّ لَيْسَ بِمَشْهُورٍ، وَمِثْلُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فِي ضَعْفِهَا وَجَهَالَةِ رُوَاتِهَا، لَا تُقْبَلُ إذَا انْفَرَدَتْ، فَكَيْفَ تُقْبَلُ فِي رَدِّ حُكْمٍ ثَابِتٍ بِالتَّوَاتُرِ، مَعَ أَنَّ قَوْلَ أَبِي ذَرٍّ مِنْ رَأْيِهِ، وَقَدْ خَالَفَهُ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ، وَقَدْ شَذَّ بِهِ عَنْ الصَّحَابَةِ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى هَذَا، وَقَدْ اخْتَلَفَ لَفْظُهُ، فَفِي أَصَحِّ الطَّرِيقَيْنِ عَنْهُ قَوْلُهُ مُخَالِفٌ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ، وَإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَسُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الثَّابِتَةِ الصَّحِيحَةِ، فَلَا يَحِلُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ. وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ فِي مُقَابَلَةِ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يُقْبَلُ، عَلَى أَنَّ قِيَاسَ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ فِي هَذَا لَا يَصِحُّ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ قَلْبُ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ فِي حَقِّ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ، وَمَنْ حُصِرَ عَنْ عَرَفَةَ، وَالْعُمْرَةُ لَا تَصِيرُ حَجًّا بِحَالٍ. وَلِأَنَّ فَسْخَ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ يَصِيرُ بِهِ مُتَمَتِّعًا، فَتَحْصُلُ الْفَضِيلَةُ، وَفَسْخُ الْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ يُفَوِّتُ الْفَضِيلَةَ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ مَشْرُوعِيَّةِ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْفَضِيلَةُ مَشْرُوعِيَّةُ تَفْوِيتِهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>