للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْل إذَا فَسَخَ الْحَجَّ إلَى الْعُمْرَةِ صَارَ مُتَمَتِّعًا]

(٢٥٠٠) فَصْلٌ: وَإِذَا فَسَخَ الْحَجَّ إلَى الْعُمْرَةِ، صَارَ مُتَمَتِّعًا، حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُتَمَتِّعِينَ فِي وُجُوبِ الدَّمِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَجِبُ الدَّمُ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ وُجُوبِهِ أَنْ يَنْوِيَ فِي ابْتِدَاءِ الْعُمْرَةِ، أَوْ فِي أَثْنَائِهَا، أَنَّهُ مُتَمَتِّعٌ. وَهَذِهِ دَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا، تُخَالِفُ عُمُومَ الْكِتَابِ وَصَرِيحَ السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: ١٩٦] .

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَهْدَى، فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ، وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَلْيُقَصِّرْ، وَلْيَحِلَّ، ثُمَّ لِيُهِلّ بِالْحَجِّ وَلْيُهْدِ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا، فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّ وُجُوبَ الدَّمِ فِي الْمُتْعَةِ لِلتَّرَفُّهِ بِسُقُوطِ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ بِالنِّيَّةِ وَعَدَمِهَا، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَخْتَلِفَ وُجُوبُ الدَّمِ، عَلَى أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ أَنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ، فَقَدْ وُجِدَتْ، فَإِنَّهُ مَا حَلَّ حَتَّى نَوَى أَنَّهُ يَحِلُّ، ثُمَّ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ.

[مَسْأَلَة يَقْطَع الْمُعْتَمِرُ التَّلْبِيَةَ إذَا اسْتَلَمَ الرُّكْنَ]

(٢٥٠١) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَمَنْ كَانَ مُتَمَتِّعًا، قَطَعَ التَّلْبِيَةَ إذَا وَصَلَ إلَى الْبَيْتِ) قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: يَقْطَعُ الْمُعْتَمِرُ التَّلْبِيَةَ إذَا اسْتَلَمَ الرُّكْنَ. وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ: (إذَا وَصَلَ إلَى الْبَيْتِ) . وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَطَاءٌ، وَعَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ، وَطَاوُسٌ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ، وَعُرْوَةُ، وَالْحَسَنُ: يَقْطَعُهَا إذَا دَخَلَ الْحَرَمَ.

وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: يَقْطَعُهَا حِينَ يَرَى عَرْشَ مَكَّةَ. وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ إنْ أَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ، قَطَعَ التَّلْبِيَةَ إذَا وَصَلَ إلَى الْحَرَمِ، وَإِنْ أَحْرَمَ بِهَا مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ، قَطَعَ التَّلْبِيَةَ حِينَ يَرَى الْبَيْتَ. وَلَنَا، مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، يَرْفَعُ الْحَدِيثَ: «كَانَ يُمْسِكُ عَنْ التَّلْبِيَةَ فِي الْعُمْرَةِ، إذَا اسْتَلَمَ الْحَجَرَ» . قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

وَرَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ «النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْتَمَرَ ثَلَاثَ عُمْرٍ، وَلَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى اسْتَلَمَ الْحَجَرَ» . وَلِأَنَّ التَّلْبِيَةَ إجَابَةٌ إلَى الْعِبَادَةِ، وَإِشْعَارٌ لِلْإِقَامَةِ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا يَتْرُكُهَا إذَا شَرَعَ فِيمَا يُنَافِيهَا، وَهُوَ التَّحَلُّلُ مِنْهَا، وَالتَّحَلُّلُ يَحْصُلُ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ، فَإِذَا شَرَعَ فِي الطَّوَافِ فَقَدْ أَخَذَ فِي التَّحَلُّلِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَقْطَعَ التَّلْبِيَةَ، كَالْحَجِّ إذَا شَرَعَ فِي رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، لِحُصُولِ التَّحَلُّلِ بِهَا. وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ، فَلَمْ يَشْرَعْ فِيمَا يُنَافِيهَا، فَلَا مَعْنَى لِقَطْعِهَا. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>