للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيَفْعَلُوهُ عَادَةً، وَلَا فِيهِ فَضْلٌ، فَيَفْعَلُوهُ لِفَضْلِهِ. وَأَمَّا أَمْرُهُ بِالْحِلِّ، فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - الْحِلُّ بِفِعْلِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ مَشْهُورًا عِنْدَهُمْ، فَاسْتُغْنِيَ عَنْ ذِكْرِهِ، وَلَا يَمْتَنِعُ الْحِلُّ مِنْ الْعِبَادَةِ بِمَا كَانَ مُحَرَّمًا فِيهَا، كَالسَّلَامِ مِنْ الصَّلَاةِ.

[فَصْل تَأْخِيرُ الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ إلَى آخِرِ النَّحْرِ]

(٢٥٤٨) فَصْلٌ: وَيَجُوزُ تَأْخِيرُ الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ إلَى آخِرِ النَّحْرِ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ تَأْخِيرُ النَّحْرِ الْمُقَدَّمِ عَلَيْهِ، فَتَأْخِيرُهُ أَوْلَى، فَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْ ذَلِكَ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا، لَا دَمَ عَلَيْهِ. وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَأَبُو ثَوْرٍ. وَيُشْبِهُ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَيَّنَ أَوَّلَ وَقْتِهِ بِقَوْلِهِ: {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: ١٩٦] . وَلَمْ يَتَبَيَّنْ آخِرَهُ، فَمَتَى أَتَى بِهِ أَجْزَأَهُ، كَطَوَافِ الزِّيَارَةِ وَالسَّعْيِ. وَلِأَنَّهُ نُسُكٌ أَخَّرَهُ إلَى وَقْتِ جَوَازِ فِعْلِهِ، فَأَشْبَهَ السَّعْيَ. وَعَنْ أَحْمَدَ: عَلَيْهِ دَمٌ بِتَأْخِيرِهِ.

وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ نُسُكٌ أَخَّرَهُ، عَنْ مَحِلِّهِ، وَمَنْ تَرَكَ نُسُكًا فَعَلَيْهِ دَمٌ. وَلَا فَرْقَ فِي التَّأْخِيرِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَالْعَامِدِ وَالسَّاهِي. وَقَالَ مَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: مَنْ تَرَكَهُ حَتَّى حَلَّ فَعَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّهُ نُسُكٌ فَيَأْتِي بِهِ فِي إحْرَامِ الْحَجِّ، كَسَائِرِ مَنَاسِكِهِ. وَلَنَا، مَا تَقَدَّمَ.

[فَصْل الْأَصْلَع الَّذِي لَا شَعْر عَلَى لَهُ يُمِرُّ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِهِ عِنْد التَّحَلُّل مِنْ إحْرَامه]

(٢٥٤٩) فَصْلٌ: وَالْأَصْلَعُ الَّذِي لَا شَعْرَ عَلَى رَأْسِهِ، يُسْتَحَبُّ أَنْ يُمِرَّ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِهِ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. وَبِهِ قَالَ مَسْرُوقٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَالنَّخَعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.

قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَلَى أَنَّ الْأَصْلَعَ يُمِرُّ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِهِ. وَلَيْسَ ذَلِكَ وَاجِبًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجِبُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» . وَهَذَا لَوْ كَانَ ذَا شَعْرٍ وَجَبَ عَلَيْهِ إزَالَتُهُ، وَإِمْرَارُ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِهِ، فَإِذَا سَقَطَ أَحَدُهُمَا لِتَعَذُّرِهِ، وَجَبَ الْآخَرُ.

وَلَنَا، أَنَّ الْحَلْقَ مَحَلُّهُ الشَّعْرُ، فَسَقَطَ بِعَدَمِهِ، كَمَا يَسْقُطُ وُجُوبُ غَسْلِ الْعُضْوِ فِي الْوُضُوءِ بِفَقْدِهِ. وَلِأَنَّهُ إمْرَارٌ لَوْ فَعَلَهُ فِي الْإِحْرَامِ لَمْ يَجِبْ بِهِ دَمٌ، فَلَمْ يَجِبْ عِنْدَ التَّحَلُّلِ، كَإِمْرَارِهِ عَلَى الشَّعْرِ مِنْ غَيْرِ حَلْقٍ.

[فَصْل يُسْتَحَبُّ لِمَنْ حَلَقَ أَوْ قَصَّرَ بَعْدَ التَّحَلُّل تَقْلِيمُ أَظَافِره وَالْأَخْذُ مِنْ شَارِبِهِ]

(٢٥٥٠) فَصْلٌ: وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ حَلَقَ أَوْ قَصَّرَ تَقْلِيمُ أَظَافِرِهِ، وَالْأَخْذُ مِنْ شَارِبِهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهُ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا حَلَقَ رَأْسَهُ، قَلَّمَ أَظْفَارَهُ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَأْخُذُ مِنْ شَارِبِهِ وَأَظْفَارِهِ. وَكَانَ عَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَالشَّافِعِيُّ، يُحِبُّونَ لَوْ أَخَذَ مِنْ لِحْيَتِهِ شَيْئًا. وَيُسْتَحَبُّ إذَا حَلَقَ، أَنْ يَبْلُغَ الْعَظْمَ الَّذِي عِنْدَ مُنْقَطَعِ الصُّدْغِ مِنْ الْوَجْهِ. كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ لِلْحَالِقِ: اُبْلُغْ

<<  <  ج: ص:  >  >>