للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْل أَفْسَدَ الْقَارِنُ نُسُكَهُ بِالْوَطْءِ]

(٢٥٩٥) فَصْلٌ: وَإِنْ أَفْسَدَ الْقَارِنُ نُسُكَهُ بِالْوَطْءِ، فَعَلَيْهِ فِدَاءٌ وَاحِدٌ. وَبِذَلِكَ قَالَ عَطَاءٌ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ. وَلَا يَسْقُطُ دَمُ الْقِرَانِ.

وَقَالَ الْحَكَمُ: عَلَيْهِ هَدَيَانِ. وَيَتَخَرَّجُ لَنَا أَنْ يَلْزَمَهُ بَدَنَةٌ وَشَاةٌ إذَا قُلْنَا يَلْزَمُهُ طَوَافَانِ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: إنْ وَطِئَ قَبْلَ الْوُقُوفِ، فَسَدَ نُسُكُهُ، وَعَلَيْهِ شَاتَانِ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَيَسْقُطُ عَنْهُ دَمُ الْقِرَانِ.

وَلَنَا، أَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، الَّذِينَ سُئِلُوا عَمَّنْ أَفْسَدَ نُسُكَهُ، لَمْ يَأْمُرُوهُ إلَّا بِفِدَاءٍ وَاحِدٍ، وَلَمْ يُفَرِّقُوا. وَلِأَنَّهُ أَحَدُ الْأَنْسَاكِ الثَّلَاثَةِ، فَلَمْ يَجِبْ فِي إفْسَادِهِ أَكْثَرُ مِنْ فِدْيَةٍ وَاحِدَةٍ، كَالْآخَرَيْنِ، وَسَائِرُ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ، مِنْ اللُّبْسِ وَالطِّيبِ وَغَيْرِهِمَا، لَا يَجِبُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا أَكْثَرُ مِنْ فِدَاءٍ وَاحِدٍ، كَمَا لَوْ كَانَ مُفْرِدًا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[مَسْأَلَة وُجُوبِ الدَّمِ عَلَى الْقَارِنِ]

(٢٥٩٦) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (إلَّا أَنَّ عَلَيْهِ دَمًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ، فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعَ) هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ، مَعْنَاهُ لَكِنْ عَلَيْهِ دَمٌ، فَإِنَّ وُجُوبَ الدَّمِ لَيْسَ مِنْ الْأَفْعَالِ الْمَنْفِيَّةِ بِقَوْلِهِ: " وَلَيْسَ فِي عَمَلِ الْقَارِنِ زِيَادَةٌ عَلَى عَمَلِ الْمُفْرِدِ ". وَلَا نَعْلَمُ فِي وُجُوبِ الدَّمِ عَلَى الْقَارِنِ خِلَافًا، إلَّا مَا حُكِيَ عَنْ دَاوُد، أَنَّهُ لَا دَمَ عَلَيْهِ.

وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ طَاوُسٍ. وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ، أَنَّ ابْنَ دَاوُد لَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ سُئِلَ عَنْ الْقَارِنِ، هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ؟ فَقَالَ: لَا. فَجُرَّ بِرِجْلِهِ.

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى شُهْرَةِ الْأَمْرِ بَيْنَهُمْ. وَلَنَا، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: ١٩٦] . وَالْقَارِنُ مُتَمَتِّعٌ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ، بِدَلِيلِ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا سَمِعَ عُثْمَانَ يَنْهَى عَنْ الْمُتْعَةِ، أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، لِيَعْلَمَ النَّاسُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْهِيٍّ عَنْهُ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: إنَّمَا الْقِرَانُ لِأَهْلِ الْآفَاقِ. وَتَلَا قَوْله تَعَالَى: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: ١٩٦] .

وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ قَرَنَ بَيْنَ حَجِّهِ وَعُمْرَتِهِ، فَلْيُهْرِقْ دَمًا» . وَلِأَنَّهُ تَرَفَّهَ بِسُقُوطِ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ، فَلَزِمَهُ دَمٌ كَالْمُتَمَتِّعِ. وَإِذَا عَدِمَ الدَّمَ، فَعَلَيْهِ صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ، وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعَ، كَالْمُتَمَتِّعِ سَوَاءٌ. (٢٥٩٧) فَصْلٌ: وَمِنْ شَرْطِ وُجُوب الدَّم عَلَيْهِ أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فِي قَوْلِ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ.

وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: عَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَسْقَطَ الدَّمَ عَنْ الْمُتَمَتِّعِ، وَلَيْسَ هَذَا مُتَمَتِّعًا. وَلَيْسَ هَذَا بِصَحِيحٍ؛ فَإِنَّنَا قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ مُتَمَتِّعٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا فَهُوَ فَرْعٌ عَلَيْهِ، وَوُجُوبُ الدَّمِ عَلَى الْقَارِنِ إنَّمَا كَانَ بِمَعْنَى النَّصِّ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخَالِفَ الْفَرْعُ أَصْلَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>