للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِتَخْرُجْ، ثُمَّ لِتُهِلَّ بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ لِتَنْتَظِرْ حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ لِتَطُفْ بِالْبَيْتِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: فَجَعَلَ عُمْرَتَهَا فِي الشَّهْرِ الَّذِي أَهَلَّتْ فِيهِ، لَا فِي الشَّهْرِ الَّذِي حَلَّتْ فِيهِ. وَلَا نَعْلَمُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا فِي أَنَّ مَنْ اعْتَمَرَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ عُمْرَةً، وَحَلَّ مِنْهَا قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ، أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا، إلَّا قَوْلَيْنِ شَاذِّينَ، أَحَدُهُمَا عَنْ طَاوُسٍ، أَنَّهُ قَالَ: إذَا اعْتَمَرْت فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ أَقَمْت حَتَّى الْحَجِّ، فَأَنْتَ مُتَمَتِّعٌ. وَالثَّانِي عَنْ الْحَسَنِ، أَنَّهُ قَالَ: مِنْ اعْتَمَرَ بَعْدَ النَّحْرِ، فَهِيَ مُتْعَةٌ.

قَالَ: ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِوَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ. فَأَمَّا إنْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ حَلَّ مِنْهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَذَهَبَ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا. وَنُقِلَ مَعْنَى ذَلِكَ عَنْ جَابِرٍ، وَأَبِي عِيَاضٍ. وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ.

وَقَالَ طَاوُسٌ: عُمْرَتُهُ فِي الشَّهْرِ الَّذِي يَدْخُلُ فِيهِ الْحَرَمَ. وَقَالَ الْحَسَنُ، وَالْحَكَمُ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: عُمْرَتُهُ فِي الشَّهْرِ الَّذِي يَطُوفُ فِيهِ.

وَقَالَ عَطَاءٌ: عُمْرَتُهُ فِي الشَّهْرِ الَّذِي يَحِلُّ فِيهِ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ طَافَ لِلْعُمْرَةِ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ. وَإِنْ طَافَ الْأَرْبَعَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ صَحَّتْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ؛ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ وَطِئَ أَفْسَدَهَا، أَشْبَهَ إذَا أَحْرَمَ بِهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ.

وَلَنَا، مَا ذَكَرْنَا عَنْ جَابِرٍ، وَلِأَنَّهُ أَتَى بِنُسُكٍ لَا تَتِمُّ الْعُمْرَةُ إلَّا بِهِ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَلَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا، كَمَا لَوْ طَافَ. وَيُخَرَّجُ عَلَيْهِ مَا قَاسُوا عَلَيْهِ. الثَّانِي، أَنْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ، فَإِنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَلَمْ يَحُجَّ ذَلِكَ الْعَامَ، بَلْ حَجَّ مِنْ الْعَامِ الْقَابِلِ، فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ. لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، إلَّا قَوْلًا شَاذًّا عَنْ الْحَسَنِ، فِي مَنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ، حَجَّ أَوْ لَمْ يَحُجَّ. وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِ هَذَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: ١٩٦]

وَهَذَا يَقْتَضِي الْمُوَالَاةَ بَيْنَهُمَا، وَلِأَنَّهُمْ إذَا أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ اعْتَمَرَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ، فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ، فَهَذَا أَوْلَى مِنْ التَّبَاعُدِ بَيْنَهُمَا أَكْثَرَ. الثَّالِثُ، أَنْ لَا يُسَافِرَ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ سَفَرًا بَعِيدًا تُقْصَرُ فِي مِثْلِهِ الصَّلَاةُ. نَصَّ عَلَيْهِ.

وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ، وَالْمُغِيرَةِ الْمَدِينِيِّ، وَإِسْحَاقَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ رَجَعَ إلَى الْمِيقَاتِ، فَلَا دَمَ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: إنْ رَجَعَ إلَى مِصْرِهِ، بَطَلَتْ مُتْعَتُهُ، وَإِلَّا فَلَا. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ رَجَعَ إلَى مِصْرِهِ، أَوْ إلَى غَيْرِهِ أَبْعَدَ مِنْ مِصْرِهِ، بَطَلَتْ مُتْعَتُهُ، وَإِلَّا فَلَا.

وَقَالَ الْحَسَنُ: هُوَ مُتَمَتِّعٌ وَإِنْ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ؛ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: ١٩٦] . وَلَنَا، مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: إذَا اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ أَقَامَ، فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>