للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَجَّ، مَا لَمْ يَفْتَتِحْ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ. وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، أَنْ يُهِلَّ بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ، وَمَعَ إمْكَانِ الْحَجِّ مَعَ بَقَاءِ الْعُمْرَةِ لَا يَجُوزُ رَفْضُهَا؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: ١٩٦] . وَلِأَنَّهَا مُتَمَكِّنَةٌ مِنْ إتْمَامِ عُمْرَتِهَا بِلَا ضَرَرٍ، فَلَمْ يَجُزْ رَفْضُهَا، كَغَيْرِ الْحَائِضِ. فَأَمَّا حَدِيثُ عُرْوَةَ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: " اُنْقُضِي رَأْسَك، وَامْتَشِطِي، وَدَعِي الْعُمْرَةَ ". انْفَرَدَ بِهِ عُرْوَةُ، وَخَالَفَ بِهِ سَائِرَ مَنْ رَوَى عَنْ عَائِشَةَ حِينَ حَاضَتْ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ طَاوُسٍ، وَالْقَاسِمِ، وَالْأَسْوَدِ، وَعَمْرَةَ وَعَائِشَةَ، وَلَمْ يَذْكُرُوا ذَلِكَ. وَحَدِيثُ جَابِرٍ، وَطَاوُسٍ مُخَالِفَانِ لِهَذِهِ الزِّيَادَةِ.

وَقَدْ رَوَى حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، حَدِيثَ حَيْضِهَا، فَقَالَ فِيهِ: حَدَّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهَا: " دَعِي الْعُمْرَة، وَانْقُضِي رَأْسَك، وَامْتَشِطِي ". وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ.

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عُرْوَةَ لَمْ يَسْمَعْ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مِنْ عَائِشَةَ، وَهُوَ مَعَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ مُخَالَفَتِهِ بَقِيَّةَ الرُّوَاةِ، يَدُلُّ عَلَى الْوَهْمِ، مَعَ مُخَالَفَتِهَا الْكِتَابَ وَالْأُصُولَ، إذْ لَيْسَ لَنَا مَوْضِعٌ آخَرُ يَجُوزُ فِيهِ رَفْضُ الْعُمْرَةِ مَعَ إمْكَانِ إتْمَامِهَا، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ قَوْلَهُ: " دَعِي الْعُمْرَةَ ". أَيْ دَعِيهَا بِحَالِهَا، وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ مَعَهَا، أَوْ دَعِي أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ، فَإِنَّهَا تَدْخُلُ فِي أَفْعَالِ الْحَجِّ.

وَأَمَّا إعْمَارُهَا مِنْ التَّنْعِيمِ، فَلَمْ يَأْمُرْهَا بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنِّي أَجِدُ فِي نَفْسِي أَنِّي لَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ حَتَّى حَجَجْت. قَالَ: " فَاذْهَبْ بِهَا يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، فَأَعْمِرْهَا مِنْ التَّنْعِيمِ ". وَرَوَى الْأَثْرَمُ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قُلْت: اعْتَمَرْت بَعْدَ الْحَجِّ؟ قَالَتْ: وَاَللَّهِ مَا كَانَتْ عُمْرَةً، مَا كَانَتْ إلَّا زِيَارَةً زُرْت الْبَيْتَ، إنَّمَا هِيَ مِثْلُ نَفَقَتِهَا. قَالَ أَحْمَدُ: إنَّمَا أَعْمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَائِشَةَ حِينَ أَلَحَّتْ عَلَيْهِ، فَقَالَتْ: يَرْجِعُ النَّاسُ بِنُسُكَيْنِ، وَأَرْجِعُ بِنُسُكٍ، فَقَالَ: " يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، أَعْمِرْهَا ". فَنَظَرَ إلَى أَدْنَى الْحَرَمِ، فَأَعْمَرَهَا مِنْهُ.

وَقَوْلُ الْخِرَقِيِّ: " وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا قَضَاءُ طَوَافِ الْقُدُومِ ". وَذَلِكَ لِأَنَّ طَوَافَ الْقُدُومِ سُنَّةٌ لَا يَجِبُ قَضَاؤُهَا، وَلَمْ يَأْمُرْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَائِشَةَ بِقَضَائِهِ، وَلَا فَعَلَتْهُ هِيَ.

[فَصْل كُلُّ مُتَمَتِّعٍ خَشِيَ فَوَاتَ الْحَجِّ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ وَيَصِيرُ قَارِنًا]

(٢٦١٧) فَصْلٌ: وَكُلُّ مُتَمَتِّعٍ خَشِيَ فَوَاتَ الْحَجِّ، فَإِنَّهُ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ، وَيَصِيرُ قَارِنًا، وَكَذَلِكَ الْمُتَمَتِّعُ الَّذِي مَعَهُ هَدْيٌ، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ مِنْ عُمْرَتِهِ، بَلْ يُهِلُّ بِالْحَجِّ مَعَهَا، فَيَصِيرُ قَارِنًا. وَلَوْ أَدْخَلَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ قَبْلَ الطَّوَافِ مِنْ غَيْرِ خَوْفِ الْفَوَاتِ، جَازَ، وَكَانَ قَارِنًا، بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ، وَرَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَأَمَّا بَعْدَ الطَّوَافِ، فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَلَا يَصِيرُ قَارِنًا. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ. وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ.

وَقَالَ مَالِكٌ: يَصِيرُ قَارِنًا. وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ الْحَجَّ عَلَى إحْرَامِ الْعُمْرَةِ، فَصَحَّ، كَمَا قَبْلَ الطَّوَافِ. وَلَنَا، أَنَّهُ شَارِعٌ فِي التَّحَلُّلِ مِنْ الْعُمْرَةِ، فَلَمْ يَجُزْ لَهُ إدْخَالُ الْحَجِّ عَلَيْهَا، كَمَا لَوْ سَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>