للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْل إدْخَالُ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ]

(٢٦١٨) فَصْلٌ: فَأَمَّا إدْخَالُ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ، فَغَيْرُ جَائِزٍ، فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَصِحَّ، وَلَمْ يَصِرْ قَارِنًا. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَصِحُّ، وَيَصِيرُ قَارِنًا؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ النُّسُكَيْنِ، فَجَازَ إدْخَالُهُ عَلَى الْآخَرِ، قِيَاسًا عَلَى إدْخَالِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ.

وَلَنَا، مَا رَوَى الْأَثْرَمُ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَصْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَرَجْت أُرِيدُ الْحَجَّ، فَقَدِمْت الْمَدِينَةَ، فَإِذَا عَلِيٌّ قَدْ خَرَجَ حَاجًّا، فَأَهْلَلْت بِالْحَجِّ، ثُمَّ خَرَجْت، فَأَدْرَكْت عَلِيًّا فِي الطَّرِيقِ، وَهُوَ يُهِلُّ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ، فَقُلْت: يَا أَبَا الْحَسَنِ، إنَّمَا خَرَجْت مِنْ الْكُوفَةِ لِأَقْتَدِيَ بِك، وَقَدْ سَبَقْتنِي، فَأَهْلَلْت بِالْحَجِّ، أَفَأَسْتَطِيعُ أَنْ أَدْخُلَ مَعَك فِيمَا أَنْتَ فِيهِ؟ قَالَ: لَا، إنَّمَا ذَلِكَ لَوْ كُنْت أَهْلَلْت بِعُمْرَةٍ. وَلِأَنَّ إدْخَالَ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ لَا يُفِيدُهُ إلَّا مَا أَفَادَهُ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى عَمَلٍ، ثُمَّ اسْتَأْجَرَهُ عَلَيْهِ ثَانِيًا فِي الْمُدَّةِ، وَعَكْسُهُ إدْخَالُ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ.

[مَسْأَلَة الْوَطْء قَبْلَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ]

(٢٦١٩) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَمَنْ وَطِئَ قَبْلَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، فَقَدْ فَسَدَ حَجُّهُمَا، وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ إنْ كَانَ اسْتَكْرَهَهَا، وَلَا دَمَ عَلَيْهَا) (٢٦٢٠) وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ فُصُولٍ: الْفَصْلُ الْأَوَّلُ، أَنَّ الْوَطْءَ قَبْلَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يُفْسِدُ الْحَجَّ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا قَبْلَ الْوُقُوفِ وَبَعْدَهُ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ.

وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: إنْ وَطِئَ بَعْدَ الْوُقُوفِ لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» . وَلِأَنَّهُ أَمِنَ الْفَوَاتَ، فَأَمِنَ الْفَسَادَ، كَمَا بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ.

وَلَنَا، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، فَقَالَ: وَقَعْت بِأَهْلِي وَنَحْنُ مُحْرِمَانِ. فَقَالَا لَهُ: أَفْسَدْت حَجَّك. وَلَمْ يَسْتَفْصِلُوا السَّائِلَ. رَوَاهُ الْأَثْرَمُ. وَلِأَنَّهُ وَطْءٌ صَادَفَ إحْرَامًا تَامًّا فَأَفْسَدَهُ، كَقَبْلِ الْوُقُوفِ، وَيُخَالِفُ مَا بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّ الْإِحْرَامَ غَيْرُ تَامٍّ، وَالْمُرَادُ مِنْ الْخَبَرِ الْأَمْنُ مِنْ الْفَوَاتِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ أَمْنِ الْفَوَاتِ أَمْنُ الْفَسَادِ، وَبِدَلِيلِ الْعُمْرَةِ يَأْمَنُ فَوَاتَهَا وَلَا يَأْمَنُ فَسَادَهَا. قَالَ أَحْمَدُ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ: إنَّ حَجَّهُ تَامٌّ.

غَيْرَ أَبِي حَنِيفَةَ، يَقُولُ: الْحَجُّ عَرَفَاتٌ، فَمَنْ وَقَفَ بِهَا فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ. وَإِنَّمَا هَذَا مِثْلُ قَوْل النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ، فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» . أَيْ أَدْرَكَ فَضْلَ الصَّلَاةِ، وَلَمْ تَفُتْهُ، كَذَلِكَ الْحَجُّ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ يَفْسُدُ حَجُّهُمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْجِمَاعَ وُجِدَ مِنْهُمَا، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ النَّاسِي وَالْعَامِدُ، وَالْمُسْتَكْرَهَةُ وَالْمُطَاوِعَةُ، وَالْمُسْتَيْقِظَةُ، عَالِمًا كَانَ الرَّجُلُ أَوْ جَاهِلًا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: لَا يَفْسُدُ حَجُّ النَّاسِي؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>