للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَنَاسِكَكُمْ» . فَإِذَا تَرَكَهُ لَزِمَهُ؛ دَمٌ؛ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلِأَنَّهُ رُكْنٌ لَمْ يَأْتِ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ، فَلَزِمَهُ دَمٌ، كَمَا لَوْ أَحْرَمَ مِنْ دُونِ الْمِيقَاتِ، وَحَدِيثُهُمْ دَلَّ عَلَى الْإِجْزَاءِ، وَالْكَلَامُ فِي وُجُوبِ الدَّمِ. فَأَمَّا إذَا وَقَفَ فِي اللَّيْلِ خَاصَّةً، فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ دَمٌ؛ لِأَنَّ مَنْ أَدْرَكَ اللَّيْلَ وَحْدَهُ لَا يُمْكِنُهُ الْوُقُوفُ نَهَارًا، فَلَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِتَرْكِهِ دَمٌ، بِخِلَافِ مَنْ أَدْرَكَ نَهَارًا.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: «أَوْ دَفَعَ قَبْلَ الْإِمَامِ» . فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَوْجَبَ بِذَلِكَ دَمًا، وَإِنْ دَفَعَ قَبْلَ الْغُرُوبِ. وَقَدْ رَوَى الْأَثْرَمُ، عَنْ أَحْمَدَ، قَالَ: سَمِعْته يُسْأَلُ عَنْ رَجُلٍ دَفَعَ قَبْل الْإِمَامِ مِنْ عَرَفَةَ بَعْدَمَا غَابَتْ الشَّمْسُ؟ فَقَالَ: مَا وَجَدْت أَحَدًا سَهَّلَ فِيهِ، كُلُّهُمْ يُشَدِّدُ فِيهِ. قَالَ: وَمَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَدْفَعَ إلَّا مَعَ الْإِمَامِ، وَعَنْ عَطَاءٍ، عَلَيْهِ شَاةٌ إذَا دَفَعَ قَبْلَ الْإِمَامِ. قِيلَ: فَيَدْفَعُ مِنْ مُزْدَلِفَةَ قَبْلَ الْإِمَامِ؟ فَقَالَ: الْمُزْدَلِفَةُ عِنْدِي غَيْرُ عَرَفَةَ. وَذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ دَفَعَ قَبْلَ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَغَيْرُ الْخِرَقِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا لَمْ يُوجِبْ بِذَلِكَ شَيْئًا، وَلَا عَدَّ الدَّفْعَ مَعَ الْإِمَامِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ فَإِنَّ اتِّبَاعَ الْإِمَامِ وَأَفْعَالَ النُّسُكِ مَعَهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، فِي سَائِرِ مَنَاسِكِ الْحَجِّ، فَكَذَا هَاهُنَا، وَإِنَّمَا وَقَعَ دَفْعُ الصَّحَابَةِ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحُكْمِ الْعَادَةِ، فَلَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ، كَالدَّفْعِ مَعَهُ مِنْ مُزْدَلِفَةَ، وَالْإِفَاضَةِ مِنْ مِنَى، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِعْلًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ.»

[مَسْأَلَة الْمَبِيتَ بِمُزْدَلِفَةِ وَاجِبٌ يَجِبُ بِتَرْكِهِ دَمٌ]

(٢٦٦٣) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَمَنْ دَفَعَ مِنْ مُزْدَلِفَةَ قَبْلَ نِصْفِ اللَّيْلِ، مِنْ غَيْرِ الرُّعَاةِ وَأَهْلِ سِقَايَةِ الْحَاجِّ، فَعَلَيْهِ دَمٌ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَبِيتَ بِمُزْدَلِفَةَ وَاجِبٌ يَجِبُ بِتَرْكِهِ دَمٌ، سَوَاءٌ تَرَكَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، عَالِمًا أَوْ جَاهِلًا؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ نُسُكًا، وَلِلنِّسْيَانِ أَثَرُهُ فِي تَرَكَ الْمَوْجُودِ كَالْمَعْدُومِ، لَا فِي جَعْلِ الْمَعْدُومِ كَالْمَوْجُودِ، إلَّا أَنَّهُ رَخَّصَ لِأَهْلِ السِّقَايَةِ وَرُعَاةِ الْإِبِلِ، فِي تَرْكِ الْبَيْتُوتَةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ لِلرُّعَاةِ فِي تَرْكِ الْبَيْتُوتَةِ فِي حَدِيثِ عَدِيٍّ، وَأَرْخَصَ لِلْعَبَّاسِ فِي الْمَبِيتِ لِأَجْلِ سِقَايَتِهِ، وَلِأَنَّ عَلَيْهِمْ مَشَقَّةً فِي الْمَبِيتِ، لِحَاجَتِهِمْ إلَى حِفْظِ مَوَاشِيهِمْ وَسَقْيِ الْحَاجِّ، فَكَانَ لَهُمْ تَرْكُ الْمَبِيتِ فِيهَا، كَلَيَالِي مِنًى، وَلِأَنَّهَا لَيْلَةٌ يُرْمَى فِي غَدِّهَا، فَكَانَ لَهُمْ تَرْكُ الْمَبِيتِ فِيهَا، كَلَيَالِي مِنًى.

وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّ الْمَبِيتَ بِمُزْدَلِفَةَ غَيْرُ وَاجِبٍ، وَلَا شَيْءَ عَلَى تَارِكِهِ. وَالْأَوَّلُ الْمَذْهَبُ.

[مَسْأَلَة وُجُوبِ الْجَزَاءِ عَلَى الْمُحْرِمِ بِقَتْلِ الصَّيْدِ]

[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ عَلَى الْمُحْرِمِ بِقَتْلِ الصَّيْدِ]

(٢٦٦٤) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَمَنْ قَتَلَ وَهُوَ مُحْرِمٌ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ، عَامِدًا أَوْ مُخْطِئًا، فَدَاهُ بِنَظِيرِهِ مِنْ النَّعَمِ، إنْ كَانَ الْمَقْتُولُ دَابَّةً) فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فُصُولٌ سِتَّةٌ (٢٦٦٥) ؛ الْفَصْلُ الْأَوَّلُ، فِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ عَلَى الْمُحْرِمِ بِقَتْلِ الصَّيْدِ فِي الْجُمْلَةِ.

وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى وُجُوبِهِ، وَنَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: ٩٥] .

<<  <  ج: ص:  >  >>