للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، لَا كَفَّارَةَ فِي الْخَطَأِ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَطَاوُسٍ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ، وَدَاوُد؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} [المائدة: ٩٥] . فَدَلِيلُ خِطَابِهِ، أَنَّهُ لَا جَزَاءَ عَلَى الْخَاطِئِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ، فَلَا يَشْغَلُهَا إلَّا بِدَلِيلٍ، وَلِأَنَّهُ مَحْظُورٌ لِلْإِحْرَامِ لَا يُفْسِدُهُ، فَيَجِبُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ خَطَئِهِ وَعَمْدِهِ، كَاللُّبْسِ وَالطِّيبِ.

وَوَجْهُ الْأُولَى قَوْلُ جَابِرٍ: «جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الضَّبُعِ يَصِيدُهُ الْمُحْرِمُ كَبْشًا.» وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فِي بَيْضِ النَّعَامِ يُصِيبُهُ الْمُحْرِمُ: ثَمَنُهُ» . وَلَمْ يُفَرِّقْ. رَوَاهُمَا ابْنُ مَاجَهْ. وَلِأَنَّهُ ضَمَانُ إتْلَافٍ فَاسْتَوَى عَمْدُهُ وَخَطَؤُهُ كَمَالِ الْآدَمِيِّ.

[الْفَصْل الثَّالِث الْجَزَاءَ لَا يَجِبُ إلَّا عَلَى الْمُحْرِمِ]

(٢٦٦٧) الْفَصْلُ الثَّالِثُ، أَنَّ الْجَزَاءَ لَا يَجِبُ إلَّا عَلَى الْمُحْرِمِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ إحْرَامِ الْحَجِّ وَإِحْرَامِ الْعُمْرَةِ؛ لِعُمُومِ النَّصِّ فِيهِمَا. وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِحْرَامِ بِنُسُكٍ وَاحِدٍ، وَبَيْنَ الْإِحْرَامِ بِنُسُكَيْنِ، وَهُوَ الْقَارِنُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا.

[الْفَصْل الرَّابِع الْجَزَاءَ لَا يَجِبُ إلَّا بِقَتْلِ الصَّيْدِ]

(٢٦٦٨) الْفَصْلُ الرَّابِعُ، أَنَّ الْجَزَاءَ لَا يَجِبُ إلَّا بِقَتْلِ الصَّيْدِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي وَرَدَ بِهِ النَّصُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ} [المائدة: ٩٥] . وَالصَّيْدُ مَا جَمَعَ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا أَكْلُهُ، لَا مَالِكَ لَهُ، مُمْتَنِعًا. فَيَخْرُجُ بِالْوَصْفِ الْأَوَّلِ كُلُّ مَا لَيْسَ بِمَأْكُولٍ لَا جَزَاءِ فِيهِ، كَسِبَاعِ الْبَهَائِمِ، وَالْمُسْتَخْبَثِ مِنْ الْحَشَرَاتِ، وَالطَّيْرِ، وَسَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ. قَالَ أَحْمَدُ: إنَّمَا جُعِلَتْ الْكَفَّارَةُ فِي الصَّيْدِ الْمُحَلَّلِ أَكْلُهُ.

وَقَالَ: كُلُّ مَا يُؤْذِي إذَا أَصَابَهُ الْمُحْرِمُ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ. وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، إلَّا أَنَّهُمْ أَوْجَبُوا الْجَزَاءَ فِي الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ الْمَأْكُولِ وَغَيْرِهِ، كَالسَّبْعِ الْمُتَوَلِّدِ مِنْ الضَّبُعِ وَالذِّئْبِ، تَغْلِيبًا لِتَحْرِيمِ، قَتْلِهِ، كَمَا عَلَّقُوا التَّحْرِيمَ فِي أَكْلِهِ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: فِي أُمِّ حُبَيْنٍ جَدْيٌ. وَأُمُّ حُبَيْنٍ: دَابَّةٌ مُنْتَفِخَةُ الْبَطْنِ.

وَهَذَا خِلَافُ الْقِيَاسِ؛ فَإِنَّ أُمَّ حُبَيْنٍ لَا تُؤْكَلُ، لِكَوْنِهَا مُسْتَخْبَثَةً عِنْدَ الْعَرَبِ. حُكِيَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْعَرَبِ سُئِلَ مَا تَأْكُلُونَ؟ قَالَ: مَا دَبَّ وَدَرَجَ، إلَّا أُمَّ حُبَيْنٍ. فَقَالَ السَّائِلُ: لِيُهِنْ أُمَّ حُبَيْنٍ الْعَافِيَةُ. وَإِنَّمَا تَبِعُوا فِيهَا قَضِيَّةَ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ قَضَى فِيهَا بِحُلَّانَ، وَهُوَ الْجَدْيُ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهَا.

وَفِي الْقَمْلِ رِوَايَتَانِ، ذَكَرْنَاهُمَا فِيمَا مَضَى وَالصَّحِيحُ، أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْكُولٍ، وَهُوَ مِنْ الْمُؤْذِيَاتِ، وَلَا مِثْلَ لَهُ وَلَا قِيمَةَ. قَالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ: كُنْت عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، فَسَأَلَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: أَخَذْت قَمْلَةً فَأَلْقَيْتهَا، ثُمَّ طَلَبْتهَا فَلَمْ أَجِدْهَا. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تِلْكَ ضَالَّةٌ لَا تُبْتَغَيْ.

وَقَالَ الْقَاضِي: إنَّمَا الرِّوَايَتَانِ فِيمَا أَزَالَهُ مِنْ شَعْرِهِ، فَأَمَّا مَا أَلْقَاهُ مِنْ ظَاهِرِ بَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، رِوَايَةً

<<  <  ج: ص:  >  >>