للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاحِدَةً. وَمِنْ أَوْجَبَ فِيهِ الْجَزَاءَ قَالَ: أَيُّ شَيْءٍ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ خَيْرٌ. وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي الثَّعْلَبِ، فَعَنْهُ: فِيهِ الْجَزَاءُ. وَبِهِ قَالَ طَاوُسٌ، وَقَتَادَةُ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ: هُوَ صَيْدٌ يُؤْكَلُ، وَفِيهِ الْجَزَاءُ.

وَعَنْ أَحْمَدَ: لَا شَيْءَ فِيهِ. وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ. وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ عَطَاءٍ؛ لِأَنَّهُ سَبُعٌ، وَقَدْ «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ» . وَإِذَا أَوْجَبْنَا فِيهِ الْجَزَاءَ، فَفِيهِ شَاةٌ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ. وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي السِّنَّوْرِ، أَهْلِيًّا كَانَ أَوْ وَحْشِيًّا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا جَزَاءَ فِيهِ. وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ سَبُعٌ، وَلَيْسَ بِمَأْكُولٍ.

وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، وَإِسْحَاقُ: فِي الْوَحْشِيِّ حُكُومَةٌ، وَلَا شَيْءَ فِي الْأَهْلِيِّ؛ لِأَنَّ الصَّيْدَ مَا كَانَ وَحْشِيًّا. وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي الْهُدْهُدِ وَالصُّرَدِ؛ لِاخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ فِي إبَاحَتِهِمَا، وَكُلُّ مَا اُخْتُلِفَ فِي إبَاحَتِهِ يُخْتَلَفُ فِي جَزَائِهِ، فَأَمَّا مَا يَحْرُمُ، فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا جَزَاءَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ، وَلَا نَصَّ فِيهِ. الْوَصْفُ الثَّانِي، أَنْ يَكُونَ وَحْشِيًّا، وَمَا لَيْسَ بِوَحْشِيٍّ لَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ ذَبْحُهُ وَلَا أَكْلُهُ، كَبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ كُلِّهَا، وَالْخَيْلِ، وَالدَّجَاجِ، وَنَحْوِهَا. لَا نَعْلَمُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي هَذَا خِلَافًا، وَالِاعْتِبَارُ فِي ذَلِكَ بِالْأَصْلِ. لَا بِالْحَالِ، فَلَوْ اسْتَأْنَسَ الْوَحْشِيَّ وَجَبَ فِيهِ الْجَزَاءُ، وَكَذَلِكَ وَجَبَ الْجَزَاءُ فِي الْحَمَامِ أَهْلِيِّهِ وَوَحْشِيِّهِ، اعْتِبَارًا بِأَصْلِهِ.

وَلَوْ تَوَحَّشَ الْأَهْلِيُّ لَمْ يَجِبْ فِيهِ شَيْءٌ. قَالَ أَحْمَدُ، فِي بَقَرَةٍ صَارَتْ وَحْشِيَّةً: لَا شَيْءَ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا الْإِنْسِيُّ. وَإِنْ تَوَلَّدَ مِنْ الْوَحْشِيِّ وَالْأَهْلِيِّ وَلَدٌ، فَفِيهِ الْجَزَاءُ، تَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ، كَقَوْلِنَا فِي الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ الْمُبَاحِ وَالْمُحَرَّمِ. وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي الدَّجَاجِ السِّنْدِيِّ، هَلْ فِيهِ جَزَاءٌ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَرَوَى مُهَنَّا، عَنْ أَحْمَدَ، فِي الْبَطِّ، يَذْبَحُهُ الْمُحْرِمُ إذَا لَمْ يَكُنْ صَيْدًا. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَبْحُهُ، وَفِيهِ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الْوَحْشِيُّ، فَهُوَ كَالْحَمَامِ.

[الْفَصْل الْخَامِس الْجَزَاءَ يَجِبُ فِي صَيْدِ الْبَرِّ دُونَ صَيْدِ الْبَحْرِ]

(٢٦٦٩) الْفَصْلُ الْخَامِسُ، أَنَّ الْجَزَاءَ إنَّمَا يَجِبُ فِي صَيْدِ الْبَرِّ دُونَ صَيْدِ الْبَحْرِ، بِغَيْرِ خِلَافٍ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: ٩٦] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: طَعَامُهُ مَا لَفَظَهُ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ حَيَوَانِ الْبَحْرِ الْمِلْحِ وَبَيْنَ مَا فِي الْأَنْهَارِ وَالْعُيُونِ، فَإِنَّ اسْمَ الْبَحْرِ يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا} [فاطر: ١٢] .

وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَابَلَهُ بِصَيْدِ الْبَرِّ، بِقَوْلِهِ {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ} [المائدة: ٩٦] . فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَا لَيْسَ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ فَهُوَ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ، وَحَيَوَانُ الْبَحْرِ مَا كَانَ يَعِيشُ فِي الْمَاءِ، وَيُفْرِخُ وَيَبِيضُ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَعِيشُ إلَّا فِي الْمَاءِ كَالسَّمَكِ وَنَحْوِهِ، فَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَعِيشُ فِي الْبَرِّ، كَالسُّلَحْفَاةِ وَالسَّرَطَانِ، فَهُوَ كَالسَّمَكِ، لَا جَزَاءَ فِيهِ.

وَقَالَ عَطَاءٌ: فِيهِ الْجَزَاءُ، وَفِي الضُّفْدَعِ وَكُلِّ مَا يَعِيشُ فِي الْبَرِّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>