للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَقِيلٍ، أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَرَدَّدٍ فِي نَجَاسَتِهِ، بِخِلَافِ الَّتِي قَبْلَهَا. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي كَرَاهَةِ الْمُسَخَّنِ بِالنَّجَاسَةِ رِوَايَتَيْنِ، عَلَى الْإِطْلَاقِ.

[فَصْلٌ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ بِمَاءِ زَمْزَمَ]

(١٢) فَصْلٌ: وَلَا يُكْرَهُ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ بِمَاءِ زَمْزَمَ؛ لِأَنَّهُ مَاءٌ طَهُورٌ، فَأَشْبَهَ سَائِرَ الْمِيَاهِ. وَعَنْهُ: يُكْرَهُ لِقَوْلِ الْعَبَّاسِ لَا أُحِلُّهَا لِمُغْتَسِلٍ، لَكِنْ لِمُحْرِمٍ حَلَّ وَبَلَّ؛ وَلِأَنَّهُ يُزِيلُ بِهِ مَانِعًا مِنْ الصَّلَاةِ، أَشْبَهَ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ بِهِ.

وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَقَوْلُ الْعَبَّاسِ لَا يُؤْخَذُ بِصَرِيحِهِ فِي التَّحْرِيمِ، فَفِي غَيْرِهِ أَوْلَى، وَشَرَفُهُ لَا يُوجِبُ الْكَرَاهَةَ لِاسْتِعْمَالِهِ، كَالْمَاءِ الَّذِي وَضَعَ فِيهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَفَّهُ، أَوْ اغْتَسَلَ مِنْهُ.

[فَصْلٌ الذَّائِبُ مِنْ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ طَهُورٌ]

(١٣) فَصْلٌ الذَّائِبُ مِنْ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ طَهُورٌ؛ لِأَنَّهُ مَاءٌ نَزَلَ مِنْ السَّمَاءِ، وَفِي دُعَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اللَّهُمَّ طَهِّرْنِي بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَإِنْ أَخَذَ الثَّلْجَ فَأَمَرَّهُ عَلَى أَعْضَائِهِ لَمْ تَحْصُلْ الطَّهَارَةُ، وَلَوْ انْبَلَّ بِهِ الْعُضْوُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْغَسْلُ، وَأَقَلُّ ذَلِكَ أَنْ يُجْرِيَ الْمَاءَ عَلَى الْعُضْوِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا فَيَذُوبَ وَيَجْرِيَ مَاؤُهُ عَلَى الْأَعْضَاءِ، فَيَحْصُلَ بِهِ الْغَسْلُ، فَيُجْزِئُهُ.

[مَسْأَلَةٌ لَا يُتَوَضَّأُ بِمَاءٍ قَدْ تُوُضِّئَ بِهِ]

(١٤) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَلَا يُتَوَضَّأُ بِمَاءٍ قَدْ تُوُضِّئَ بِهِ) يَعْنِي: الْمَاءَ الْمُنْفَصِلَ عَنْ أَعْضَاءِ الْمُتَوَضِّئِ، وَالْمُغْتَسِلُ فِي مَعْنَاهُ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ طَاهِرٌ غَيْرُ مُطَهِّرٍ، لَا يَرْفَعُ حَدَثًا، وَلَا يُزِيلُ نَجَسًا، وَبِهِ قَالَ اللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ، وَظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ.

وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّهُ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ. وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَعَطَاءٌ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَمَكْحُولٌ، وَأَهْلُ الظَّاهِرِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لِمَالِكٍ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي لِلشَّافِعِيِّ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي أُمَامَةَ فِيمَنْ نَسِيَ مَسْحَ رَأْسِهِ، إذَا وَجَدَ بَلَلًا فِي لِحْيَتِهِ، أَجْزَأَهُ أَنْ يَمْسَحَ رَأْسَهُ بِذَلِكَ الْبَلَلِ.

وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْمَاءُ لَا يُجْنِبُ» ، وَقَالَ: «الْمَاءُ لَيْسَ عَلَيْهِ جَنَابَةٌ» ، وَرُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ، فَرَأَى لُمْعَةً لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ، فَعَصَرَ شَعَرَهُ عَلَيْهَا» . رَوَاهُمَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ، فِي " الْمُسْنَدِ " وَابْنُ مَاجَهْ، وَغَيْرُهُمَا

وَلِأَنَّهُ غُسِلَ بِهِ مَحَلٌّ طَاهِرٌ، فَلَمْ تَزُلْ بِهِ طَهُورِيَّتُهُ، كَمَا لَوْ غُسِلَ بِهِ الثَّوْبُ؛ وَلِأَنَّهُ لَاقَى مَحَلًّا طَاهِرًا، فَلَا يَخْرُجُ عَنْ حُكْمِهِ بِتَأْدِيَةِ الْفَرْضِ بِهِ، كَالثَّوْبِ يُصَلَّى فِيهِ مِرَارًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>