للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَطَاءٍ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهَا كَفَّارَةِ دَخَلَهَا الصِّيَامُ وَالْإِطْعَامُ، فَكَانَ الْيَوْمُ فِي مُقَابَلَةِ الْمُدِّ، كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ.

وَعَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ يَصُومُ عَنْ كُلِّ نِصْفِ صَاعٍ يَوْمًا. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَقِيل، وَالْحَسَنِ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ وَابْنِ الْمُنْذِرِ.

قَالَ الْقَاضِي: الْمَسْأَلَةُ رِوَايَةٌ، وَاحِدَةٌ، وَالْيَوْمُ عَنْ مُدِّ بُرٍّ أَوْ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ غَيْرِهِ، وَكَلَامُ أَحْمَدَ فِي الرِّوَايَتَيْنِ مَحْمُولٌ عَلَى اخْتِلَافِ الْحَالَيْنِ؛ لِأَنَّ صَوْمَ الْيَوْمِ مُقَابَلٌ بِإِطْعَامِ الْمِسْكِينِ، وَإِطْعَامُ الْمِسْكِينِ مُدُّ بُرٍّ أَوْ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ غَيْرِهِ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْيَوْمَ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ فِي مُقَابَلَةِ إطْعَامِ الْمِسْكِينِ، فَكَذَا هَاهُنَا وَرُوِيَ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ، أَنَّ جَزَاءَ الصَّيْدِ مِنْ الطَّعَامِ وَالصِّيَامِ مِثْلُ كَفَّارَةِ الْأَذَى. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ.

وَلَنَا، أَنَّهُ جَزَاءٌ عَنْ مُتْلَفٍ فَاخْتَلَفَ بِاخْتِلَافِهِ، كَبَدَلِ مَالِ الْآدَمِيِّ، وَإِذَا بَقِيَ مَا لَا يَعْدِلُ كَدُونِ الْمُدِّ، صَامَ يَوْمًا كَامِلًا. كَذَلِكَ قَالَ عَطَاءٌ، وَالنَّخَعِيُّ، وَحَمَّادٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَهُمْ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَتَبَعَّضُ، فَيَجِبُ تَكْمِيلُهُ. وَلَا يَجِبُ التَّتَابُعُ فِي الصِّيَامِ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِهِ مُطْلَقًا، فَلَا يَتَقَيَّدُ بِالتَّتَابُعِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ.

وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصُومَ عَنْ بَعْضِ الْجَزَاءِ، وَيُطْعِمَ عَنْ بَعْضٍ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَجَوَّزَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ إذَا عَجَزَ عَنْ بَعْضِ الْإِطْعَامِ. وَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهَا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، فَلَا يُؤَدِّي بَعْضَهَا بِالْإِطْعَامِ وَبَعْضَهَا بِالصِّيَامِ، كَسَائِرِ الْكَفَّارَاتِ.

[فَصْل مَا لَا مِثْلَ لَهُ مِنْ صَيْدِ الحرم يُخَيَّرُ قَاتِلُهُ]

(٢٦٨٦) فَصْلٌ: وَمَا لَا مِثْلَ لَهُ مِنْ الصَّيْدِ، يُخَيَّرُ قَاتِلُهُ بَيْنَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِقِيمَتِهِ طَعَامًا، فَيُطْعِمَهُ لِلْمَسَاكِينِ، وَبَيْنَ أَنْ يَصُومَ. وَهَلْ يَجُوزُ إخْرَاجُ الْقِيمَةِ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ؛ أَحَدُهُمَا، لَا يَجُوزُ. وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ أَحْمَدَ، فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، فَإِنَّهُ قَالَ: إذَا أَصَابَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا، وَلَمْ يُصِبْ لَهُ عَدْلًا يُحْكَمُ بِهِ عَلَيْهِ؛ قَوَّمَ طَعَامًا إنْ قَدَرَ عَلَى طَعَامٍ، وَإِلَّا صَامَ لِكُلِّ نِصْفِ صَاعٍ يَوْمًا. هَكَذَا يُرْوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ.

وَلِأَنَّهُ جَزَاءُ صَيْدٍ، فَلَمْ يَجُزْ إخْرَاجُ الْقِيمَةِ فِيهِ، كَاَلَّذِي لَهُ مِثْلٌ؛ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَيَّرَ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ لَيْسَ بِهَا الْقِيمَةُ، وَإِذَا عَدِمَ أَحَدَ الثَّلَاثَةِ يَبْقَى التَّخْيِيرُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ، فَأَمَّا إيجَابُ شَيْءٍ غَيْرِ الْمَنْصُوصِ فَلَا. الثَّانِي، يَجُوزُ إخْرَاجُ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ لِكَعْبٍ: مَا جَعَلْت عَلَى نَفْسِك؟ قَالَ: دِرْهَمَيْنِ. قَالَ: اجْعَلْ مَا جَعَلْت عَلَى نَفْسِك. وَقَالَ عَطَاءٌ: فِي الْعُصْفُورِ نِصْفُ دِرْهَمٍ. وَظَاهِرُهُ إخْرَاجُ الدَّرَاهِمِ الْوَاجِبَةِ.

[مَسْأَلَة كُلَّمَا قَتَلَ الْمُحْرِم صَيْدًا حُكِمَ عَلَيْهِ]

(٢٦٨٧) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَكُلَّمَا قَتَلَ صَيْدًا حُكِمَ عَلَيْهِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>