للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ اضْرِبْ بِهَا فِي صَفْحَتِهَا، وَلَا تَأْكُلْ أَنْتَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ رُفْقَتِكَ» .

وَهَذَا صَحِيحٌ مُتَضَمِّنٌ لِلزِّيَادَةِ،

وَمَعْنًى خَاصٍّ، فَيَجِبُ تَقْدِيمُهُ عَلَى عُمُومِ مَا خَالَفَهُ.

وَلَا تَصِحُّ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ رُفْقَتِهِ وَبَيْنَ سَائِرِ النَّاسِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُشْفِقُ عَلَى رُفْقَتِهِ، وَيُحِبُّ التَّوْسِعَةُ عَلَيْهِمْ، وَرُبَّمَا وَسَّعَ عَلَيْهِمْ مِنْ مُؤْنَتِهِ. وَإِنَّمَا مُنِعَ السَّائِقُ وَرُفْقَتُهُ مِنْ الْأَكْلِ مِنْهَا؛ لِئَلَّا يُقَصِّرَ فِي حِفْظِهَا، فَيُعْطِبَهَا لِيَأْكُلَ هُوَ وَرُفْقَتُهُ مِنْهَا، فَتَلْحَقَهُ التُّهْمَةُ فِي عَطَبِهَا لِنَفْسِهِ وَرُفْقَتِهِ، فَحُرِمُوهَا لِذَلِكَ. فَإِنْ أَكَلَ مِنْهَا، أَوْ بَاعَ أَوْ أَطْعَمَ غَنِيًّا، أَوْ رُفْقَتَهُ، ضَمِنَهُ بِمِثْلِهِ لَحْمًا.

وَإِنْ أَتْلَفَهَا، أَوْ تَلِفَتْ بِتَفْرِيطِهِ، أَوْ خَافَ عَطَبَهَا، فَلَمْ يَنْحَرْهَا حَتَّى هَلَكَتْ، فَعَلَيْهِ ضَمَانُهَا بِمَا يُوصِلُهُ إلَى فُقَرَاءِ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ إيصَالُ الضَّمَانِ إلَيْهِمْ، بِخِلَافِ الْعَاطِبِ. وَإِنْ أَطْعَمَ مِنْهَا فَقِيرًا، أَوْ أَمَرَهُ بِالْأَكْلِ مِنْهَا، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَلَهُ إلَى الْمُسْتَحِقِّ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَطْعَمَ فَقِيرًا بَعْدَ بُلُوغِهِ مَحِلَّهُ، وَإِنْ تَعَيَّبَ ذَبْحُهُ أَجْزَأَهُ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُجْزِئُهُ، إلَّا أَنْ يَحْدُثَ الْعَيْبُ بِهِ بَعْدَ إضْجَاعِهِ لِلذَّبْحِ. وَلَنَا، أَنَّهُ لَوْ عَطِبَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، فَالْعَيْبُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْعَطَبَ يَذْهَبُ بِجَمِيعِهِ، وَالْعَيْبُ يَنْقُصُهُ. وَلِأَنَّهُ عَيْبٌ حَدَثَ بَعْدَ وُجُوبِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ حَدَثَ بَعْدَ إضْجَاعِهِ.

وَإِنْ تَعَيَّبَ بِفِعْلِ آدَمِيٍّ، فَعَلَيْهِ مَا نَقَصَهُ مِنْ الْقِيمَةِ، يَتَصَدَّقُ بِهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُبَاعُ جَمِيعُهُ، وَيُشْتَرَى هَدْيٌ. وَبَنَى ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ مُجْزِئٌ.

[فَصْلٌ إبْدَالُ الْهَدْيِ بِخَيْرٍ مِنْهُ]

فَصْلٌ: وَإِذْ أَوْجَبَ هَدْيًا فَلَهُ إبْدَالُهُ بِخَيْرِ مِنْهُ، وَبَيْعُهُ لِيَشْتَرِيَ بِثَمَنِهِ خَيْرًا مِنْهُ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَهُوَ اخْتِيَارُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ، وَلَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ وَلَا إبْدَالُهُ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ مُتَعَلِّقٌ بِالرَّقَبَةِ، وَيَسْرِي إلَى الْوَلَدِ، فَمُنِعَ الْبَيْعُ، كَالِاسْتِيلَاءِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ إبْدَالُهُ بِمِثْلِهِ، فَلَمْ يَجُزْ بِخَيْرِ مِنْهُ، كَسَائِرِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ.

وَوَجْهُ الْأَوَّلِ، أَنَّ النُّذُورَ مَحْمُولَةٌ عَلَى أُصُولِهَا فِي الْفَرْضِ، وَهُوَ الزَّكَاةُ، يَجُوزُ فِيهَا الْإِبْدَالُ، كَذَلِكَ هَذَا، وَلِأَنَّهُ لَوْ زَالَ مِلْكُهُ لَمْ يَعُدْ إلَيْهِ بِالْهَلَاكِ، كَسَائِرِ الْأَمْلَاكِ إذَا زَالَتْ. وَقِيَاسُهُمْ يَنْتَقِضُ بِالْمُدَبَّرَةِ يَجُوزُ بَيْعُهَا، وَقَدْ دَلَّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَاعَ مُدَبَّرًا. أَمَّا إبْدَالُهَا بِمِثْلِهَا أَوْ دُونِهَا، فَلَمْ يَجُزْ؛ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي ذَلِكَ.

[فَصْلٌ إذَا وَلَدَتْ الْهَدِيَّةُ فَوَلَدُهَا بِمَنْزِلَتِهَا]

(٢٧١٥) فَصْلٌ: إذَا وَلَدَتْ الْهَدِيَّةُ فَوَلَدُهَا بِمَنْزِلَتِهَا إنْ أَمْكَنَ سَوْقُهُ وَإِلَّا حَمَلَهُ عَلَى ظَهْرِهَا، وَسَقَاهُ مِنْ لَبَنِهَا، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ سَوْقُهُ وَلَا حَمْلُهُ، صَنَعَ بِهِ مَا يَصْنَعُ بِالْهَدْيِ إذَا عَطِبَ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مَا عَيَّنَهُ ابْتِدَاءً وَبَيْنَ مَا عَيَّنَهُ بَدَلًا عَنْ الْوَاجِبِ فِي ذِمَّتِهِ.

وَقَالَ الْقَاضِي، فِي الْمُعَيَّنِ بَدَلًا عَنْ الْوَاجِبِ: يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَتْبَعَهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>