للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَأْكُلُ مِنْ وَاجِبٍ؛ لِأَنَّهُ هَدْيٌ وَجَبَ بِالْإِحْرَامِ، فَلَمْ يَجُزْ الْأَكْلُ مِنْهُ، كَدَمِ الْكَفَّارَةِ.

وَلَنَا، أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَمَتَّعْنَ مَعَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَأَدْخَلَتْ عَائِشَةُ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ، فَصَارَتْ قَارِنَةً، ثُمَّ ذَبَحَ عَنْهُنَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَقَرَةَ، فَأَكَلْنَ مِنْ لُحُومِهَا. قَالَ أَحْمَدُ قَدْ أَكَلَ مِنْ الْبَقَرَةِ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ خَاصَّةً. وَقَالَتْ عَائِشَةُ: إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ، إذَا طَافَ بِالْبَيْتِ، أَنْ يَحِلَّ، فَدَخَلَ عَلَيْنَا يَوْمَ النَّحْرِ بِلَحْمِ بَقَرٍ، فَقُلْت: مَا هَذَا؟ فَقِيلَ: ذَبَحَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَزْوَاجِهِ.

وَرَوَى أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَبَحَ عَنْ آلِ مُحَمَّدٍ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بَقَرَةً.» وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: «تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ، فَسَاقَ الْهَدْيَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَقَدْ ثَبَتَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبِضْعَةٍ، فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ، فَأَكَلَ هُوَ وَعَلِيٌّ مِنْ لَحْمِهَا، وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِأَنَّهُمَا دَمَا نُسُكٍ، فَأَشْبَهَا التَّطَوُّعَ، وَلَا يُؤْكَلُ مِنْ غَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ بِفِعْلٍ مَحْظُورٍ، فَأَشْبَهَ جَزَاءَ الصَّيْدِ.

(٢٧٢٢) فَصْلٌ: فَأَمَّا هَدْيُ التَّطَوُّعِ، وَهُوَ مَا أَوْجَبَهُ بِالتَّعْيِينِ ابْتِدَاءً، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ عَنْ وَاجِبٍ فِي ذِمَّتِهِ، وَمَا نَحَرَهُ تَطَوُّعًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُوجِبَهُ، فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: (فَكُلُوا مِنْهَا) . وَأَقَلُّ أَحْوَالِ الْأَمْرِ الِاسْتِحْبَابُ. وَلِأَنَّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكَلَ مِنْ بُدْنِهِ.

وَقَالَ جَابِرٌ «كُنَّا لَا نَأْكُلُ مِنْ بُدْنِنَا فَوْقَ ثَلَاثٍ فَرَخَّصَ لَنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: كُلُوا وَتَزَوَّدُوا. فَأَكَلْنَا وَتَزَوَّدْنَا» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ فَلَا بَأْسَ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا نَحَرَ الْبَدَنَاتِ الْخَمْسَ. قَالَ: «مَنْ شَاءَ اقْتَطَعَ» . وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُنَّ شَيْئًا.

وَالْمُسْتَحَبُّ، أَنْ يَأْكُلَ الْيَسِيرَ مِنْهَا، كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَهُ الْأَكْلُ كَثِيرًا وَالتَّزَوُّدُ، كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ. وَتُجْزِئُهُ الصَّدَقَةُ بِالْيَسِيرِ مِنْهَا، كَمَا فِي الْأُضْحِيَّةِ، فَإِنْ أَكَلَهَا ضَمِنَ الْمَشْرُوعَ لِلصَّدَقَةِ مِنْهَا، كَمَا فِي الْأُضْحِيَّةِ.

(٢٧٢٣) فَصْلٌ: وَإِنْ أَكَلَ مِنْهَا مَا مُنِعَ مِنْ أَكْلِهِ، ضَمِنَهُ بِمِثْلِهِ لَحْمًا؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ بِمِثْلِهِ حَيَوَانًا، فَكَذَلِكَ أَبْعَاضُهُ. وَكَذَلِكَ إنْ أَعْطَى الْجَازِرَ مِنْهَا شَيْئًا ضَمِنَهُ بِمِثْلِهِ. وَإِنْ أَطْعَمَ غَنِيًّا مِنْهَا، عَلَى سَبِيلِ الْهَدِيَّةِ، جَازَ، كَمَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ فِي الْأُضْحِيَّةِ؛ لِأَنَّ مَا مَلَكَ أَكْلَهُ مَلَكَ هَدِيَّتَهُ.

وَإِنْ بَاعَ شَيْئًا مِنْهَا، أَوْ أَتْلَفَهُ، ضَمِنَهُ بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ ذَلِكَ، فَأَشْبَهَ عَطِيَّتَهُ لِلْجَازِرِ. وَإِنْ أَتْلَفَ أَجْنَبِيٌّ مِنْهُ شَيْئًا، ضَمِنَهُ بِقِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمُتْلَفَ مِنْ غَيْرِ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، فَلَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَ لَحْمًا لِآدَمِيٍّ مُعَيَّنٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>