للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَنَا عَلَى الزُّهْرِيِّ، مَا رُوِيَ عَنْ أُمِّ بِلَالِ بِنْتِ هِلَالٍ، عَنْ أَبِيهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَجُوزُ إلَّا الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ أُضْحِيَّةً» . وَعَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، قَالَ: «كُنَّا مَعَ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَالُ لَهُ مُجَاشِعٌ، مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، فَعَزَّتْ الْغَنَمُ، فَأَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ: إنَّ الْجَذَعَ يُوفِي مَا تُوفِي مِنْهُ الثَّنِيَّةُ» . وَعَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَذْبَحُوا إلَّا مُسِنَّةً، إلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعًا مِنْ الضَّأْنِ» . رَوَاهُنَّ ابْنُ مَاجَهْ. وَرَوَى حَدِيثَ جَابِرٍ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد. وَهَذَا حُجَّةٌ عَلَى عَطَاءٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ. وَحَدِيثُ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ نِيَارٍ، حِينَ «قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ عِنْدِي عَنَاقًا جَذَعًا، هِيَ خَيْرٌ مِنْ شَاتَيْ لَحْمٍ. فَقَالَ: تُجْزِئُكَ، وَلَا تُجْزِئُ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَك» . أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ.

وَفِي لَفْظٍ: إنَّ عِنْدِي دَاجِنًا جَذَعَةً مِنْ الْمَعْزِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْهَرَوِيُّ، قَالَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ: إنَّمَا يُجْزِئُ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ فِي الْأَضَاحِيِّ؛ لِأَنَّهُ يَنْزُو فَيُلَقِّحُ، فَإِذَا كَانَ مِنْ الْمَعْزِ لَمْ يُلَقِّحْ حَتَّى يَصِيرَ ثَنِيًّا.

[فَصْلٌ يَمْنَعُ مِنْ الْعُيُوبِ فِي الْهَدْيِ مَا يَمْنَعُ فِي الْأُضْحِيَّةِ]

فَصْلٌ: وَيَمْنَعُ مِنْ الْعُيُوبِ فِي الْهَدْيِ مَا يَمْنَعُ فِي الْأُضْحِيَّةِ. قَالَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ: «قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَرْبَعٌ لَا تَجُوزُ فِي الْأَضَاحِيِّ: الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا، وَالْكَسِيرَةُ الَّتِي لَا تَنْقَى. قَالَ: قُلْت: إنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ فِي السِّنِّ نَقْصٌ. قَالَ: مَا كَرِهْت فَدَعْهُ، وَلَا تُحَرِّمْهُ عَلَى أَحَدٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ. وَبِهَذَا قَالَ عَطَاءٌ، قَالَ: أَمَّا الَّذِي سَمِعْنَاهُ فَالْأَرْبَعُ، وَكُلُّ شَيْءٍ سِوَاهُنَّ جَائِزٌ.

وَمَعْنَى قَوْلِهِ: " الْبَيِّنُ عَوَرُهَا ". أَيْ انْخَسَفَتْ عَيْنُهَا وَذَهَبَتْ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُنْقِصُهَا؛ لِأَنَّ شَحْمَةَ الْعَيْنِ عُضْوٌ مُسْتَطَابٌ، فَلَوْ كَانَ عَلَى عَيْنِهَا بَيَاضٌ وَلَمْ تَذْهَبْ الْعَيْنُ، جَازَتْ التَّضْحِيَةُ بِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُنْقِصُهَا فِي اللَّحْمِ. وَالْعَرْجَاءُ الْبَيْنُ عَرَجُهَا: الَّتِي عَرَجُهَا مُتَفَاحِشٌ يَمْنَعُهَا السَّيْرَ مَعَ الْغَنَمِ، وَمُشَارَكَتَهُنَّ فِي الْعَلَفِ، وَيُهْزِلُهَا. وَاَلَّتِي لَا تَنْقَى: الَّتِي لَا مُخَّ فِيهَا لِهُزَالِهَا. وَالْمَرِيضَةُ: قِيلَ هِيَ الْجَرْبَاءُ؛ لِأَنَّ الْجَرَبَ يُفْسِدُ اللَّحْمَ.

وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ كُلَّ مَرِيضَةٍ مَرَضًا يُؤَثِّرُ فِي هُزَالِهَا، أَوْ فِي فَسَادِ لَحْمِهَا، يَمْنَعُ التَّضْحِيَةَ بِهَا، وَهَذَا أَوْلَى، لِتَنَاوُلِ اللَّفْظِ لَهُ وَالْمَعْنَى. فَهَذِهِ الْأَرْبَعُ لَا نَعْلَمُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا فِي مَنْعِهَا. وَيَثْبُتُ الْحُكْمُ فِيمَا نَقْصٌ أَكْثَرُ مِنْ هَذِهِ الْعُيُوبِ بِطَرِيقِ التَّنْبِيهِ، فَلَا تَجُوزُ الْعَمْيَاءُ؛ لِأَنَّ الْعَمَى أَكْثَرُ مِنْ الْعَوَرِ، وَلَا يُعْتَبَرُ مَعَ الْعَمَى انْخِسَافُ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالْمَشْيِ مَعَ الْغَنَمِ، وَالْمُشَارَكَةِ فِي الْعَلَفِ أَكْثَرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>