للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي الْمَجْلِسِ الَّذِي يَزُولُ عَنْهُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ، حَتَّى يُفَارِقَهُ.

وَإِنْ أُكْرِهَا جَمِيعًا انْقَطَعَ خِيَارُهُمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَنْقَطِعُ خِيَارُهُ بِفُرْقَةِ الْآخَرِ لَهُ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أُكْرِهَ صَاحِبُهُ دُونَهُ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ مِنْ صُوَرِ الْإِكْرَاهِ، مَا لَوْ رَأَيَا سَبْعًا أَوْ ظَالِمًا خَشِيَاهُ، فَهَرَبَا فَزَعًا مِنْهُ، أَوْ حَمَلَهُمَا سَيْلٌ أَوْ فَرَّقَتْ رِيحٌ بَيْنَهُمَا.

(٢٧٥٥) فَصْلٌ: وَإِنْ خَرِسَ أَحَدُهُمَا، قَامَتْ إشَارَتُهُ مَقَامَ لَفْظِهِ، فَإِنْ لَمْ تُفْهَمْ إشَارَتُهُ، أَوْ جُنَّ، أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، قَامَ وَلِيُّهُ مِنْ الْأَبِ، أَوْ وَصِيُّهُ، أَوْ الْحَاكِمُ، مَقَامَهُ، وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا بَطَلَ خِيَارُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَعَذَّرَ مِنْهُ الْخِيَارُ، وَالْخِيَارُ لَا يُوَرَّثُ. وَأَمَّا الْبَاقِي مِنْهُمَا فَيَبْطُلُ خِيَارُهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالتَّفَرُّقِ، وَالتَّفَرُّقُ بِالْمَوْتِ أَعْظَمُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَبْطُلَ؛ لِأَنَّ التَّفَرُّقَ بِالْأَبْدَانِ لَمْ يَحْصُلْ. فَإِنْ حُمِلَ الْمَيِّتُ بَطَلَ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ حَصَلَتْ بِالْبَدَنِ وَالرُّوحِ مَعًا.

(٢٧٥٦) فَصْلٌ: وَقَدْ رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْبَائِعُ وَالْمُبْتَاعُ بِالْخِيَارِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا، إلَّا أَنْ تَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ، فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ» . رَوَاهُ النَّسَائِيّ، وَالْأَثْرَمُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَقَوْلُهُ: " إلَّا أَنْ تَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ ". يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ الْبَيْعَ الْمَشْرُوطَ فِيهِ الْخِيَارُ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ بِتَفَرُّقِهِمَا، وَلَا يَكُونُ تَفَرُّقُهُمَا غَايَةً لِلْخِيَارِ فِيهِ؛ لِكَوْنِهِ ثَابِتًا بَعْدَ تَفَرُّقِهِمَا. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ الْبَيْعَ الَّذِي شَرَطَا فِيهِ أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَهُمَا فِيهِ خِيَارٌ، فَيَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ تَفَرُّقٍ. وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ تَحْرِيمُ مُفَارَقَةِ أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ لِصَاحِبِهِ خَشْيَةً مِنْ فَسْخِ الْبَيْعِ، وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ، فَإِنَّهُ ذُكِرَ لَهُ فِعْلُ ابْنِ عُمَرَ، وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، فَقَالَ: هَذَا الْآنَ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ.

وَذَكَرَ الْقَاضِي، أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ أَحْمَدَ، جَوَازُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا اشْتَرَى شَيْئًا يُعْجِبُهُ فَارَقَ صَاحِبَهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَدَّمُ عَلَى فِعْلِ ابْنِ عُمَرَ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ لَمْ يَبْلُغْهُ هَذَا، وَلَوْ عَلِمَهُ لَمَا خَالَفَهُ.

(٢٧٥٧) الْفَصْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّ الْخِيَارَ يَمْتَدُّ إلَى التَّفَرُّقِ، وَلَا يَبْطُلُ بِالتَّخَايُرِ قَبْلَ الْعَقْدِ وَلَا بَعْدَهُ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ الرِّوَايَاتِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» . مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ، وَلَا تَخْصِيصٍ، هَكَذَا رَوَاهُ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ، وَأَبُو بَرْزَةَ، وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّ الْخِيَارَ يَبْطُلُ بِالتَّخَايُرِ. اخْتَارَهَا الشَّرِيفُ بْنُ أَبِي مُوسَى، وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ أَصَحُّ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «فَإِنْ خَيَّرَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>