للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِلْكُ الْبَائِعِ لِلْفَسْخِ لَا يَمْنَعُ نُفُوذَ الْعِتْقِ، كَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا بِجَارِيَةٍ مُعَيَّنَةٍ، فَإِنَّ مُشْتَرِيَ الْعَبْدِ يَنْفُذُ عِتْقُهُ، مَعَ أَنَّ لِلْبَائِعِ الْفَسْخَ.

وَلَوْ وَهَبَ رَجُلٌ ابْنَهُ عَبْدًا، فَأَعْتَقَهُ، نَفَذَ عِتْقُهُ، مَعَ مِلْكِ الْأَبِ لِاسْتِرْجَاعِهِ. وَلَا يَنْفُذُ عِتْقُ الْبَائِعِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَمَالِكٌ يَنْفُذُ عِتْقُهُ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، وَإِنْ كَانَ الْمِلْكُ انْتَقَلَ فَإِنَّهُ يَسْتَرْجِعُهُ بِالْعِتْقِ. وَلَنَا، أَنَّهُ إعْتَاقٌ مِنْ غَيْرِ مَالِكٍ، فَلَمْ يَنْفُذْ، كَعِتْقِ الْأَبِ عَبْدَ ابْنِهِ الَّذِي وَهَبَهُ إيَّاهُ، وَقَدْ دَلَلْنَا عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ انْتَقَلَ إلَى الْمُشْتَرِي.

وَإِنْ قُلْنَا بِالرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، وَأَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَنْتَقِلْ إلَى الْمُشْتَرِي، نَفَذَ عِتْقُ الْبَائِعِ دُونَ الْمُشْتَرِي. وَإِنْ أَعْتَقَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي جَمِيعًا، فَإِنْ تَقَدَّمَ عِتْقُ الْمُشْتَرِي، فَالْحُكْمُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ تَقَدَّمَ عِتْقُ الْبَائِعِ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْفُذَ عِتْقُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ؛ لِكَوْنِهِ أَعْتَقَ غَيْرَ مَمْلُوكِهِ، وَلَكِنْ حَصَلَ بِإِعْتَاقِهِ فَسْخُ الْبَيْعِ، وَاسْتِرْجَاعُ الْعَبْدِ، فَلَمْ يَنْفُذْ عِتْقُ الْمُشْتَرِي. وَمَتَى أَعَادَ الْبَائِعُ الْإِعْتَاقَ مَرَّةً ثَانِيَةً، نَفَذَ إعْتَاقُهُ؛ لِأَنَّهُ عَادَ الْعَبْدُ إلَيْهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ اسْتَرْجَعَهُ بِصَرِيحِ قَوْلِهِ.

وَلَوْ اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ، جَرَى مَجْرَى إعْتَاقِهِ بِصَرِيحِ قَوْلِهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَهُ. وَإِنْ بَاعَ عَبْدًا بِجَارِيَةٍ، بِشَرْطِ الْخِيَارِ، فَأَعْتَقَهُمَا، نَفَذَ عِتْقُ الْأَمَةِ دُونَ الْعَبْدِ.

وَإِنْ أَعْتَقَ أَحَدَهُمَا، ثُمَّ أَعْتَقَ الْآخَرَ، نَظَرْت، فَإِنْ أَعْتَقَ الْأَمَةَ أَوَّلًا، نَفَذَ عِتْقُهَا، وَبَطَلَ خِيَارُهُ، وَلَمْ يَنْفُذْ عِتْقُ الْعَبْدِ، وَإِنْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ أَوَّلًا، انْفَسَخَ الْبَيْعُ، وَرَجَعَ إلَيْهِ الْعَبْدُ، وَلَمْ يَنْفُذْ إعْتَاقُهُ، وَلَا يَنْفُذُ عِتْقُ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ بِالْفَسْخِ عَنْ مِلْكِهِ، وَعَادَتْ إلَى سَيِّدِهَا الْبَائِعِ لَهَا.

[فَصْلٌ قَالَ لِعَبْدِهِ إذَا بِعْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ بَاعَهُ]

(٢٧٦٦) فَصْلٌ: إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ: إذَا بِعْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ. ثُمَّ بَاعَهُ، صَارَ حُرًّا، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ. وَسَوَاءٌ شَرَطَا الْخِيَارَ أَوْ لَمْ يَشْرِطَاهُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالثَّوْرِيُّ: لَا يَعْتِقُ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَمَّ بَيْعُهُ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ. فَلَمْ يَنْفُذْ إعْتَاقُهُ لَهُ. وَلَنَا، أَنَّ زَمَنَ انْتِقَالِ الْمِلْكِ زَمَنُ الْحُرِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ سَبَبٌ لِنَقْلِ الْمِلْكِ، وَشَرْطٌ لِلْحُرِّيَّةِ. فَيَجِبُ تَغْلِيبُ الْحُرِّيَّةِ، كَمَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: إذَا مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ، وَلِأَنَّهُ عَلَّقَ حُرِّيَّتَهُ عَلَى فِعْلِهِ لِلْبَيْعِ. وَالصَّادِرُ مِنْهُ فِي الْبَيْعِ إنَّمَا هُوَ الْإِيجَابُ، فَمَتَى قَالَ لِلْمُشْتَرِي: بِعْتُك. فَقَدْ وُجِدَ شَرْطُ الْحُرِّيَّةِ، فَيَعْتِقُ قَبْلَ قَبُولِ الْمُشْتَرِي، وَعَلَّلَهُ الْقَاضِي بِأَنَّ الْخِيَارَ ثَابِتٌ فِي كُلِّ بَيْعٍ، فَلَا يَنْقَطِعُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ.

فَعَلَى هَذَا لَوْ تَخَايَرَا ثُمَّ بَاعَهُ لَمْ يَعْتِقْ، وَلَا يَصِحُّ هَذَا التَّعْلِيلُ عَلَى مَذْهَبنَا. فَإِنَّنَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْبَائِعَ لَوْ أَعْتَقَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لَمْ يَنْفُذْ إعْتَاقُهُ.

[فَصْلٌ وَطْءُ الْجَارِيَةِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ]

(٢٧٦٧) فَصْلٌ: وَلَا يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي وَطْءُ الْجَارِيَةِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهَا حَقُّ الْبَائِعِ، فَلَمْ يُبَحْ لَهُ وَطْؤُهَا كَالْمَرْهُونَةِ، وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا اخْتِلَافًا، فَإِنْ وَطِئَهَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ يُدْرَأُ بِشُبْهَةِ الْمِلْكِ فَبِحَقِيقَتِهِ أَوْلَى، وَلَا مَهْرَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَتُهُ، وَإِنْ عَلِقَتْ مِنْهُ، فَالْوَلَدُ حُرٌّ يَلْحَقُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>