للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَسَبُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَمَتِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ، وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَإِنْ فَسَخَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ رَجَعَ بِقِيمَتِهَا؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الْفَسْخُ فِيهَا، وَلَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ وَلَدِهَا؛ لِأَنَّهُ حَدَثَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي.

وَإِنْ قُلْنَا: إنَّ الْمِلْكَ لَا يَنْتَقِلُ إلَى الْمُشْتَرِي، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ لَهُ فِيهَا شُبْهَةً لِوُجُودِ سَبَبِ نَقْلِ الْمِلْكِ إلَيْهِ، وَاخْتِلَافِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي ثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهُ، وَالْحَدُّ يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ، وَقِيمَةُ الْوَلَدِ يَكُونُ حُكْمُهَا حُكْمَ نَمَائِهَا، وَإِنْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ، وَأَنَّ مِلْكَهُ غَيْرُ ثَابِتٍ، فَوَلَدُهُ رَقِيقٌ.

وَأَمَّا الْبَائِعُ فَلَا يَحِلُّ لَهُ الْوَطْءُ قَبْلَ فَسْخِ الْبَيْعِ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: لَهُ وَطْؤُهَا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَنْفَسِخُ بِوَطْئِهِ، فَإِنْ كَانَ الْمِلْكُ انْتَقَلَ رَجَعَتْ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ انْتَقَلَ انْقَطَعَ حَقُّ الْمُشْتَرِي مِنْهَا، فَيَكُونُ وَاطِئًا لِمَمْلُوكَتِهِ الَّتِي لَا حَقَّ لِغَيْرِهِ فِيهَا. وَلَنَا أَنَّ الْمِلْكَ انْتَقَلَ عَنْهُ فَلَمْ يَحِلَّ لَهُ وَطْؤُهَا؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: ٦] {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: ٧] ، وَلِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْوَطْءِ يَقَعُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ، فَيَكُونُ حَرَامًا.

وَلَوْ انْفَسَخَ الْبَيْعُ قَبْلَ وَطْئِهِ، لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا، وَلَا يَلْزَمُهُ حَدٌّ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إنْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ، وَأَنَّ مِلْكَهُ قَدْ زَالَ، وَلَا يَنْفَسِخُ بِالْوَطْءِ، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ. وَذَكَرَ أَنَّ أَحْمَدَ نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ وَطْأَهُ لَمْ يُصَادِفْ مِلْكًا وَلَا شُبْهَةَ مِلْكٍ. وَلَنَا، أَنَّ مِلْكَهُ يَحْصُلُ بِابْتِدَاءِ وَطْئِهِ، فَيَحْصُلُ تَمَامُ الْوَطْءِ فِي مِلْكِهِ، مَعَ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي كَوْنِ الْمِلْكِ لَهُ، وَحِلَّ الْوَطْءُ لَهُ، وَلَا يَجِبُ الْحَدُّ مَعَ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الشُّبُهَاتِ، فَكَيْفَ إذَا اجْتَمَعَتْ، مَعَ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَحْصُلَ الْفَسْخُ بِالْمُلَامَسَةِ قَبْلَ الْوَطْءِ، فَيَكُونُ الْمِلْكُ قَدْ رَجَعَ إلَيْهِ قَبْلَ وَطْئِهِ، وَلِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ فِي الْمُشْتَرِي: إنَّهَا قَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ حِينَ وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا. فِيمَا إذَا مَشَطَهَا، أَوْ خَضَّبَهَا، أَوْ حَفَّهَا، فَبِوَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهَا لِلْجِمَاعِ وَلَمْسِ فَرْجِهَا بِفَرْجِهِ أَوْلَى. فَعَلَى هَذَا يَكُونُ وَلَدُهُ مِنْهَا حُرًّا، وَنَسَبُهُ لَاحِقٌ بِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ، وَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ، وَتَصِيرُ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدِهِ.

وَقَالَ أَصْحَابُنَا: إنْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ فَوَلَدُهُ رَقِيقٌ، وَلَا يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ. فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ لَحِقَهُ النَّسَبُ، وَوَلَدُهُ حُرٌّ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْوِلَادَةِ، وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ، وَلَا تَصِيرُ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدِهِ، لِأَنَّهُ وَطِئَهَا فِي غَيْرِ مِلْكِهِ.

[فَصْلٌ نَقْدِ الثَّمَنِ وَقَبْضِ الْمَبِيعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ]

(٢٧٦٨) فَصْلٌ: وَلَا بَأْسَ بِنَقْدِ الثَّمَنِ وَقَبْضِ الْمَبِيعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ وَكَرِهَهُ مَالِكٌ. قَالَ: لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى بَيْعٍ وَسَلَفٍ إذَا أَقْبَضَهُ الثَّمَنَ ثُمَّ تَفَاسَخَا الْبَيْعَ، صَارَ كَأَنَّهُ أَقْرَضَهُ إيَّاهُ. وَلَنَا، أَنَّ هَذَا حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْبَيْعِ، فَجَازَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، كَالْإِجَارَةِ، وَمَا ذَكَرَهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّنَا لَمْ نُجِزْ لَهُ التَّصَرُّفَ فِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>