للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَبْطُلُ فِيمَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَزِمَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي لَمْ يَعُدْ إلَى الْجَوَازِ. وَيَحْتَمِلُ بُطْلَانَ الشَّرْطِ كُلِّهِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ وَاحِدٌ، تَنَاوَلَ الْخِيَارَ فِي أَيَّامٍ، فَإِذَا فَسَدَ فِي بَعْضِهِ، فَسَدَ جَمِيعُهُ، كَمَا لَوْ شَرَطَ إلَى الْحَصَادِ.

[فَصْلٌ يَجُوزُ لِمَنْ لَهُ الْخِيَارُ الْفَسْخُ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ صَاحِبِهِ وَلَا رِضَاهُ]

(٢٧٨٩) فَصْلٌ: وَيَجُوزُ لِمَنْ لَهُ الْخِيَارُ الْفَسْخُ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ صَاحِبِهِ وَلَا رِضَاهُ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَزُفَرُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ إلَّا بِحَضْرَةِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، فَلَمْ يَمْلِكْ أَحَدُهُمَا فَسْخَهُ بِغَيْرِ حُضُورِ صَاحِبِهِ، كَالْوَدِيعَةِ.

وَلَنَا، أَنَّهُ رَفْعُ عَقْدٍ لَا يَفْتَقِرُ إلَى رِضَا صَاحِبِهِ، فَلَمْ يَفْتَقِرْ إلَى حُضُورِهِ، كَالطَّلَاقِ. وَمَا قَالُوهُ يَنْتَقِضُ بِالطَّلَاقِ، الْوَدِيعَةُ لَا حَقَّ لِلْمُودِعِ فِيهَا، وَيَصِحُّ فَسْخُهَا مَعَ غَيْبَتِهِ.

[فَصْلٌ انْقَضَتْ مُدَّةُ الْخِيَارِ وَلَمْ يَفْسَخْ أَحَدُهُمَا]

(٢٧٩٠) فَصْلٌ: وَإِذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْخِيَارِ، وَلَمْ يَفْسَخْ أَحَدُهُمَا، بَطَلَ الْخِيَارُ، وَلَزِمَ الْعَقْدُ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَلْزَمُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ مُدَّةَ الْخِيَارِ ضُرِبَتْ لِحَقٍّ لَهُ، لَا لِحَقٍّ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَلْزَمْ الْحُكْمُ بِنَفْسِ مُرُورِ الزَّمَانِ، كَمُضِيِّ الْأَجَلِ فِي حَقِّ الْمُولِي.

وَلَنَا، أَنَّهَا مُدَّةٌ مُلْحَقَةٌ بِالْعَقْدِ، فَبَطَلَتْ بِانْقِضَائِهَا كَالْأَجَلِ. وَلِأَنَّ الْحُكْمَ بِبَقَائِهَا يُفْضِي إلَى بَقَاءِ الْخِيَارِ فِي غَيْرِ الْمُدَّةِ الَّتِي شَرَطَاهُ فِيهَا. وَالشَّرْطُ سَبَبُ الْخِيَارِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ بِهِ مَا لَمْ يَتَنَاوَلْهُ، وَلِأَنَّهُ حُكْمٌ مُؤَقَّتٌ، فَفَاتَ بِفَوَاتِ وَقْتِهِ، كَسَائِرِ الْمُؤَقَّتَات، وَلِأَنَّ الْبَيْعَ يَقْتَضِي اللُّزُومَ، وَإِنَّمَا تَخَلَّفَ مُوجِبُهُ بِالشَّرْطِ، فَفِيمَا لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الشَّرْطُ يَجِبُ أَنْ يَثْبُتَ مُوجِبُهُ؛ لِزَوَالِ الْمُعَارِضِ، كَمَا لَوْ أَمْضُوهُ.

وَأَمَّا الْمُولِي، فَإِنَّ الْمُدَّةَ إنَّمَا ضُرِبَتْ لِاسْتِحْقَاقِ الْمُطَالَبَةِ، وَهِيَ تُسْتَحَقُّ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ. وَالْحُكْمُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ظَاهِرٌ.

[فَصْل قَالَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدِينَ عِنْدَ الْعَقْدِ لَا خِلَابَةَ]

(٢٧٩١) فَصْلٌ: فَإِنْ قَالَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ عِنْدَ الْعَقْدِ: لَا خِلَابَةَ فَقَالَ أَحْمَدُ: أَرَى ذَلِكَ جَائِزًا، وَلَهُ الْخِيَارُ إنْ كَانَ خَلَبَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ خَلَبَهُ فَلَيْسَ لَهُ خِيَارٌ. وَذَلِكَ «لِأَنَّ رَجُلًا ذَكَرَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ، فَقَالَ: إذَا بَايَعْت فَقُلْ لَا خِلَابَةَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِمُسْلِمٍ: «مَنْ بَايَعْت فَقُلْ لَا خِلَابَةَ» . «فَكَانَ إذَا بَايَعَ يَقُولُ: لَا خِلَابَةَ» . وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ الْخِيَارُ.

وَيَكُونُ هَذَا الْخَبَرُ خَاصًّا لِحِبَّانَ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ عَاشَ إلَى زَمَنِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَكَانَ يُبَايِعُ النَّاسَ، ثُمَّ يُخَاصِمُهُمْ، فَيَمُرُّ بِهِمْ بَعْضُ الصَّحَابَةِ، فَيَقُولُ لِمَنْ يُخَاصِمُهُ: وَيْحَكَ، إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ لَهُ الْخِيَارَ ثَلَاثًا. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلنَّاسِ عَامَّةً لَقَالَ لِمَنْ يُخَاصِمُهُ: إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

<<  <  ج: ص:  >  >>