للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلِأَنَّ الطَّعْمَ وَصْفُ شَرَفٍ، إذْ بِهِ قِوَامُ الْأَبْدَانِ، وَالثَّمَنِيَّةُ وَصْفُ شَرَفٍ، إذْ بِهَا قِوَامُ الْأَمْوَالِ، فَيَقْتَضِي التَّعْلِيلَ بِهِمَا، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْعِلَّةُ فِي الْأَثْمَانِ الْوَزْنَ لَمْ يَجُزْ إسْلَامُهُمَا فِي الْمَوْزُونَاتِ؛ لِأَنَّ أَحَدَ وَصْفَيْ عِلَّةِ رِبَا الْفَضْلِ يَكْفِي فِي تَحْرِيمِ النَّسَاءِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ؛ الْعِلَّةُ فِيمَا عَدَا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ كَوْنُهُ مَطْعُومَ جِنْسٍ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا، فَلَا يَجْرِي الرِّبَا فِي مَطْعُومٍ لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ، كَالتُّفَّاحِ وَالرُّمَّانِ، وَالْخَوْخِ، وَالْبِطِّيخِ، وَالْكُمَّثْرَى، وَالْأُتْرُجِّ، وَالسَّفَرْجَلِ، وَالْإِجَّاصِ، وَالْخِيَارِ، وَالْجَوْزِ، وَالْبَيْضِ، وَلَا فِيمَا لَيْسَ بِمَطْعُومٍ، كَالزَّعْفَرَانِ، وَالْأُشْنَانِ، وَالْحَدِيدِ، وَالرَّصَاصِ، وَنَحْوِهِ.

وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَهُوَ قَدِيمُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا رِبَا إلَّا فِيمَا كِيلَ أَوْ وُزِنَ، مِمَّا يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ» . أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَقَالَ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ سَعِيدٍ، وَمَنْ رَفَعَهُ فَقَدْ وَهِمَ. وَلِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَوْصَافِ أَثَرًا، وَالْحُكْمُ مَقْرُونٌ بِجَمِيعِهَا فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، فَلَا يَجُوزُ حَذْفُهُ. وَلِأَنَّ الْكَيْلَ وَالْوَزْنَ وَالْجِنْسَ لَا يَقْتَضِي وُجُوبَ الْمُمَاثَلَةِ، وَإِنَّمَا أَثَرُهُ فِي تَحْقِيقِهَا فِي الْعِلَّةِ مَا يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْحُكْمِ لَا مَا تَحَقَّقَ شَرْطُهُ، وَالطَّعْمُ بِمُجَرَّدِهِ لَا تَتَحَقَّقُ الْمُمَاثَلَةُ بِهِ؛ لِعَدَمِ الْمِعْيَارِ الشَّرْعِيِّ فِيهِ.

وَإِنَّمَا تَجِبُ الْمُمَاثَلَةُ فِي الْمِعْيَارِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ الْكَيْلُ، وَالْوَزْنُ، وَلِهَذَا وَجَبَتْ الْمُسَاوَاةُ فِي الْمَكِيلِ كَيْلًا، وَفِي الْمَوْزُونِ وَزْنًا، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الطَّعْمُ مُعْتَبَرًا فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، دُونَ غَيْرِهِمَا. وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي هَذَا الْبَابِ يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَهَا، وَتَقْيِيدُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِالْآخَرِ، فَنَهْيُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَتَقَيَّدُ بِمَا فِيهِ مِعْيَارٌ شَرْعِيٌّ، وَهُوَ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ، وَنَهْيُهُ عَنْ بَيْعِ الصَّاعِ بِالصَّاعَيْنِ يَتَقَيَّدُ بِالْمَطْعُومِ الْمَنْهِيِّ عَنْ التَّفَاضُلِ فِيهِ.

وَقَالَ مَالِكٌ: الْعِلَّةُ الْقُوتُ، أَوْ: مَا يَصْلُحُ بِهِ الْقُوتُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ مِنْ الْمُدَّخَرَاتِ. وَقَالَ رَبِيعَةُ: يَجْرِي الرِّبَا فِيمَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ دُونَ غَيْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: الْجِنْسُ الْوَاحِدُ عِلَّةٌ.

وَهَذَا الْقَوْلُ لَا يَصِحُّ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَيْعِ الْفَرَسِ بِالْأَفْرَاسِ، وَالنَّجِيبَةِ بِالْإِبِلِ: «لَا بَأْسَ بِهِ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» . وَرُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْتَاعَ عَبْدًا بِعَبْدَيْنِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

وَقَوْلُ مَالِكٍ يَنْتَقِضُ بِالْحَطَبِ وَالْإِدَامِ يُسْتَصْلَحُ بِهِ الْقُوتُ وَلَا رِبَا فِيهِ عِنْدَهُ، وَتَعْلِيلُ رَبِيعَةَ يَنْعَكِسُ بِالْمِلْحِ، وَالْعَكْسُ لَازِمٌ عِنْدَ اتِّحَادِ الْعِلَّةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ وَالطَّعْمُ، مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، فَفِيهِ الرِّبَا رِوَايَةً وَاحِدَةً،

<<  <  ج: ص:  >  >>