للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَاعَ سِقَايَةً مِنْ ذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ بِأَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهَا، فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: «سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْهَى عَنْ مِثْلِ هَذَا إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ» . ثُمَّ قَدِمَ أَبُو الدَّرْدَاءِ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ، فَكَتَبَ عُمَرُ إلَى مُعَاوِيَةَ، لَا تَبِعْ ذَلِكَ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَزْنًا بِوَزْنٍ. وَلِأَنَّهُمَا تُسَاوَيَا فِي الْوَزْنِ، فَلَا يُؤَثِّرُ اخْتِلَافُهُمَا فِي الْقِيمَةِ، كَالْجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ.

فَأَمَّا إنْ قَالَ لِصَائِغٍ: صُغْ لِي خَاتَمًا وَزْنُهُ دِرْهَمٌ، وَأُعْطِيكَ مِثْلَ وَزْنِهِ، وَأُجْرَتَك دِرْهَمًا. فَلَيْسَ ذَلِكَ بِبَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ. وَقَالَ أَصْحَابُنَا: لِلصَّائِغِ أَخْذُ الدِّرْهَمَيْنِ؛ أَحَدِهِمَا فِي مُقَابَلَةِ الْخَاتَمِ، وَالثَّانِي أُجْرَةً لَهُ.

[كُلُّ مَا حَرَّمَ فِيهِ التَّفَاضُل حَرَّمَ فِيهِ النَّسَاءِ]

(٢٨٠٢) فَصْلٌ: وَكُلُّ مَا حَرُمَ فِيهِ التَّفَاضُلُ حَرُمَ فِيهِ النَّسَاءُ، بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ. وَيَحْرُمُ التَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عَيْنًا بِعَيْنٍ» . وَقَوْلِهِ: «يَدًا بِيَدٍ» . وَلِأَنَّ تَحْرِيمَ النَّسَاءِ آكَدُ، وَلِذَلِكَ جَرَى فِي الْجِنْسَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ، فَإِذَا حَرُمَ التَّفَاضُلُ، فَالنَّسَاءُ أَوْلَى بِالتَّحْرِيمِ.

[مَسْأَلَةٌ التَّفَاضُلِ فِي الْجِنْسَيْنِ]

قَالَ (٢٨٠٣) مَسْأَلَةٌ: (وَمَا كَانَ مِنْ جِنْسَيْنِ فَجَائِزٌ التَّفَاضُلُ فِيهِ يَدًا بِيَدٍ، وَلَا يَجُوزُ نَسِيئَةً) لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ التَّفَاضُلِ فِي الْجِنْسَيْنِ نَعْلَمُهُ، إلَّا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ: مَا يَتَقَارَبُ الِانْتِفَاعُ بِهِمَا لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهِمَا.

وَهَذَا يَرُدُّهُ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بِيعُوا الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ، وَبِيعُوا الْبُرَّ بِالتَّمْرِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ، وَبِيعُوا الشَّعِيرَ بِالتَّمْرِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ» . وَفِي لَفْظٍ: «إذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد. وَلِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ، فَجَازَ التَّفَاضُلُ فِيهِمَا، كَمَا لَوْ تَبَاعَدَتْ مَنَافِعُهُمَا. وَلَا خِلَافَ فِي إبَاحَةِ التَّفَاضُلِ فِي الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ، مَعَ تَقَارُبِ مَنَافِعِهِمَا.

فَأَمَّا النَّسَاءُ؛ فَكُلُّ جِنْسَيْنِ يَجْرِي فِيهِمَا الرِّبَا بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ، كَالْمَكِيلِ بِالْمَكِيلِ، وَالْمَوْزُونِ بِالْمَوْزُونِ، وَالْمَطْعُومِ بِالْمَطْعُومِ، عِنْدَ مَنْ يُعَلِّلُ بِهِ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْأُخَرِ نَسَاءً، بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ» . وَفِي لَفْظٍ: «لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ وَالْفِضَّةُ أَكْثَرُهُمَا يَدًا بِيَدٍ، وَأَمَّا نَسِيئَةً فَلَا، وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْبُرِّ بِالشَّعِيرِ وَالشَّعِيرُ أَكْثَرُهُمَا يَدًا بِيَدٍ، وَأَمَّا النَّسِيئَةُ فَلَا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ ثَمَنًا، وَالْآخَرُ مُثْمَنًا، فَإِنَّهُ يَجُوزُ النَّسَاءُ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ خِلَافٍ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَرْخَصَ فِي السَّلَمِ، وَالْأَصْلُ فِي رَأْسِ الْمَالِ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ، فَلَوْ حَرُمَ النَّسَاءُ هَاهُنَا لَانْسَدَّ بَابُ السَّلَمِ فِي الْمَوْزُونَاتِ فِي الْغَالِبِ.

فَأَمَّا إنَّ اخْتَلَفَتْ عِلَّتُهُمَا كَالْمَكِيلِ بِالْمَوْزُونِ، مِثْلُ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْبُرِّ، فَفِيهِمَا رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، يَحْرُمُ النَّسَاءُ فِيهِمَا، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْخِرَقِيِّ هَاهُنَا؛ لِأَنَّهُمَا مَالَانِ مِنْ أَمْوَالِ الرِّبَا، فَحَرُمَ النَّسَاءُ فِيهِمَا، كَالْمَكِيلِ بِالْمَكِيلِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>