للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَنَا، أَنَّ الْوَزْنَ أَخْصَرُ، فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ فِي غَيْرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، كَاَلَّذِي لَا يُمْكِنُ كَيْلُهُ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ الْكَيْلُ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُقَدَّرُ بِهِ فِي الْعَادَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِهِ.

[مَسْأَلَةٌ كُلُّ شَيْئَيْنِ اتَّفَقَا فِي الْجِنْسِ ثَبَتَ فِيهِمَا حُكْمُ الشَّرْعِ بِتَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ]

(٢٨١٦) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَالتُّمُورُ كُلُّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُهَا) الْجِنْسُ: هُوَ الشَّامِلُ لِأَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةٍ بِأَنْوَاعِهَا. وَالنَّوْعُ: الشَّامِلُ لِأَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةٍ بِأَشْخَاصِهَا. وَقَدْ يَكُونُ النَّوْعُ جِنْسًا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا تَحْتَهُ، نَوْعًا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا فَوْقَهُ، وَالْمُرَادُ هُنَا؛ الْجِنْسُ الْأَخَصُّ، وَالنَّوْعُ الْأَخَصُّ. فَكُلُّ نَوْعَيْنِ اجْتَمَعَا فِي اسْمٍ خَاصٍّ، فَهُمَا جِنْسٌ، كَأَنْوَاعِ التَّمْرِ، وَأَنْوَاعِ الْحِنْطَةِ. فَالتُّمُورُ كُلُّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ الْخَاصَّ يَجْمَعُهَا، وَهُوَ التَّمْرُ، وَإِنْ كَثُرَتْ أَنْوَاعُهُ، كَالْبَرْنِيِّ، وَالْمَعْقِلِيِّ، وَالْإِبْرَاهِيمِيّ، والخاستوي، وَغَيْرِهَا. وَكُلُّ شَيْئَيْنِ اتَّفَقَا فِي الْجِنْسِ ثَبَتَ فِيهِمَا حُكْمُ الشَّرْعِ بِتَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْأَنْوَاعُ.

لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «التَّمْرُ بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ مِثْلًا بِمِثْلٍ» . الْحَدِيثُ بِتَمَامِهِ. فَاعْتَبَرَ الْمُسَاوَاةَ فِي جِنْسِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ، وَالْبُرِّ بِالْبُرِّ، ثُمَّ قَالَ: «فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ» .

وَفِي لَفْظٍ: «فَإِذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ» . وَفِي لَفْظٍ: «إلَّا مَا اخْتَلَفَتْ أَلْوَانُهُ» . وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلِمْنَاهُ فِي وُجُوبِ الْمُسَاوَاةِ فِي التَّمْرِ بِالتَّمْرِ، وَسَائِرِ مَا ذُكِرَ فِي الْخَبَرِ، مَعَ اتِّفَاقِ الْأَنْوَاعِ، وَاخْتِلَافِهَا.

[فَصْل إذَا كَانَ الْمُشْتَرِكَانِ فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ مِنْ أَصْلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَهُمَا جِنْسَانِ فِي الرَّبَّا]

(٢٨١٧) فَصْلٌ: فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِكَانِ فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ مِنْ أَصْلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، فَهُمَا جِنْسَانِ؛ كَالْأَدِقَّةِ، وَالْأَخْبَازِ، وَالْخُلُولِ، وَالْأَدْهَانِ، وَعَصِيرِ الْأَشْيَاءِ الْمُخْتَلِفَةِ، كُلُّهَا أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ بِاخْتِلَافِ أُصُولِهَا. وَحُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّ خَلَّ التَّمْرِ، وَخَلَّ الْعِنَبِ، جِنْسٌ. وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ الْخَاصَّ يَجْمَعُهُمَا. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا جِنْسَانِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَصْلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، فَكَانَا جِنْسَيْنِ، كَدَقِيقِ الْحِنْطَةِ، وَدَقِيقِ الشَّعِيرِ. وَمَا ذُكِرَ لِلرِّوَايَةِ الْأُخْرَى مُنْتَقِضٌ بِسَائِرِ فُرُوعِ الْأُصُولِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا.

وَكُلُّ نَوْعٍ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلِهِ، فَإِذَا كَانَ شَيْئَانِ مِنْ أَصْلَيْنِ فَهُمَا جِنْسَانِ، فَزَيْتُ الزَّيْتُونِ، وَزَيْتُ الْبُطْمِ، وَزَيْتُ الْفُجْلِ، أَجْنَاسٌ. وَدُهْنُ السَّمَكِ وَالشَّيْرَجِ، وَدُهْنُ الْجَوْزِ، وَدُهْنُ اللَّوْزِ وَالْبِزْرِ أَجْنَاسٌ. وَعَسَلُ النَّحْلِ، وَعَسَلُ الْقَصَبِ، جِنْسَانِ. وَتَمْرُ النَّخْلِ، وَتَمْرُ الْهِنْدِ جِنْسَانِ. وَكُلُّ شَيْئَيْنِ أَصْلُهُمَا وَاحِدٌ فَهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مَقَاصِدُهُمَا؛ فَدُهْنُ الْوَرْدِ، وَالْبَنَفْسَجِ، وَالزِّئْبَقِ، وَدُهْنُ الْيَاسَمِينِ، إذَا كَانَتْ مِنْ دُهْنٍ وَاحِدٍ، فَهِيَ جِنْسٌ وَاحِدٌ.

وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَلَهُ قَوْلٌ آخَرُ: لَا يَجْرِي الرِّبَا فِيهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تُقْصَدُ لِلْأَكْلِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هِيَ أَجْنَاسٌ؛ لِأَنَّ مَقَاصِدَهَا مُخْتَلِفَةٌ.

وَلَنَا، أَنَّهَا كُلَّهَا شَيْرَجٌ، وَإِنَّمَا طُيِّبَتْ بِهَذِهِ الرَّيَاحِينِ، فَنُسِبَتْ إلَيْهَا، فَلَمْ تَصِرْ أَجْنَاسًا، كَمَا لَوْ طُيِّبَ

<<  <  ج: ص:  >  >>