للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّانِي، مَا فِيهِ غَيْرُهُ، كَالْخُبْزِ، وَالْهَرِيسَةِ، وَالْفَالُوذَجِ، وَالنَّشَاءِ، وَأَشْبَاهِهَا. وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ بِشَيْءِ مِنْ فُرُوعِهَا وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامِ: أَحَدُهَا السَّوِيقُ، فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْحِنْطَةِ، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ، وَأَبِي ثَوْرٍ جَوَازُ ذَلِكَ، مُتَمَاثِلًا، وَمُتَفَاضِلًا.

وَلَنَا، أَنَّهُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ بِبَعْضٍ أَجْزَائِهَا مُتَفَاضِلًا، فَلَمْ يَجُزْ، كَبَيْعِ مَكُّوكِ حِنْطَةٍ بِمَكُّوكَيْ دَقِيقٍ، وَلَا سَبِيلَ إلَى التَّمَاثُلِ؛ لِأَنَّ النَّارَ قَدْ أَخَذَتْ مِنْ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، فَأَشْبَهَتْ الْمَقْلِيَّةَ. الْقَسَمُ الثَّانِي، مَا مَعَهُ غَيْرُهُ، فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا بِهِ أَيْضًا. وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ: يَجُوزُ ذَلِكَ، بِنَاءً عَلَى مَسْأَلَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ. وَسَنَذْكُرُ الدَّلِيلَ عَلَى ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. الْقَسَمُ الثَّالِثُ، الدَّقِيقُ، فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا بِهِ فِي الصَّحِيحِ. وَهُوَ مَذْهَبُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنِ، وَالْحَكَمِ، وَحَمَّادٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَمَكْحُولٍ. وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ الشَّافِعِيِّ.

وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّهُ جَائِزٌ. وَبِهَذَا قَالَ رَبِيعَةُ، وَمَالِكٌ. وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ النَّخَعِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَابْنِ شُبْرُمَةَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي ثَوْرٍ؛ لِأَنَّ الدَّقِيقَ نَفْسُ الْحِنْطَةِ، وَإِنَّمَا تَكَسَّرَتْ أَجْزَاؤُهَا، فَجَازَ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ، كَالْحِنْطَةِ الْمُكَسَّرَةِ بِالصِّحَاحِ، فَعَلَى هَذَا إنَّمَا تُبَاعُ الْحِنْطَةُ بِالدَّقِيقِ وَزْنًا؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَفَرَّقَتْ أَجْزَاؤُهَا بِالطَّحْنِ وَانْتَشَرَتْ، فَتَأْخُذُ مِنْ الْمِكْيَالِ مَكَانًا كَبِيرًا، وَالْحِنْطَةُ تَأْخُذُ مَكَانًا صَغِيرًا، وَالْوَزْنُ يُسَوِّي بَيْنَهُمَا. وَبِهَذَا قَالَ إِسْحَاقُ.

وَلَنَا، أَنَّ بَيْعَ الْحِنْطَةِ بِالدَّقِيقِ بَيْعٌ لِلْحِنْطَةِ بِجِنْسِهَا مُتَفَاضِلًا، فَحَرُمَ، كَبَيْعِ مَكِيلَةٍ بِمَكِيلَتَيْنِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الطَّحْنَ قَدْ فَرَّقَ أَجْزَاءَهَا، فَيَحْصُلُ فِي مِكْيَالِهَا دُونَ مَا يَحْصُلُ فِي مِكْيَالِ الْحِنْطَةِ، وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ التَّفَاضُلُ، فَقَدْ جُهِلَ التَّمَاثُلُ، وَالْجَهْلُ بِالتَّمَاثُلِ كَالْعِلْمِ بِالتَّفَاضُلِ فِيمَا يُشْتَرَطُ التَّمَاثُلُ فِيهِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ جُزَافًا، وَتَسَاوِيهِمَا فِي الْوَزْنِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ التَّسَاوِي فِي الْكَيْلِ، وَالْحِنْطَةُ وَالدَّقِيقُ مَكِيلَانِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْكَيْلُ، وَلَمْ يُوجَدْ مَا يَنْقُلُ عَنْهُ، وَلِأَنَّ الدَّقِيقَ يُشْبِهُ الْمَكِيلَاتِ، فَكَانَ مَكِيلًا، كَالْحِنْطَةِ، ثُمَّ لَوْ كَانَ مَوْزُونًا، لَمْ يَتَحَقَّقْ التَّسَاوِي بَيْنَ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ؛ لِأَنَّ الْمَكِيلَ لَا يُقَدَّرُ بِالْوَزْنِ، كَمَا لَا يُقَدَّرُ الْمَوْزُونُ بِالْكَيْلِ.

[فَصْلٌ بَيْعُ كُلٍّ مِنْ الدَّقِيقِ وَالسَّوِيقِ بِنَوْعِهِ مُتَسَاوِيًا]

(٢٨٢٤) فَصْلٌ: فَأَمَّا بَيْعُ بَعْضِ فُرُوعِهَا بِبَعْضٍ، فَيَجُوزُ بَيْعُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الدَّقِيقِ وَالسَّوِيقِ بِنَوْعِهِ مُتَسَاوِيًا، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَالْمَشْهُورُ عَنْ الشَّافِعِيِّ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ تَسَاوِيهِمَا حَالَةَ الْكَمَالِ، وَهُوَ حَالُ كَوْنِهَا حِنْطَةً، وَقَدْ فَاتَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الدَّقِيقَيْنِ قَدْ يَكُونُ مِنْ حِنْطَةٍ رَزِينَةٍ، وَالْآخَرَ مِنْ حِنْطَةٍ خَفِيفَةٍ، فَيَسْتَوِيَانِ دَقِيقًا، وَلَا يَسْتَوِيَانِ حِنْطَةً.

<<  <  ج: ص:  >  >>