للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَنَا، أَنَّهُمَا تَسَاوَيَا حَالَ الْعَقْدِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالنُّقْصَانِ، فَجَازَ، كَبَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّمَا يُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ كَيْلًا؛ لِأَنَّ الْحِنْطَةَ مَكِيلَةٌ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي الدَّقِيقِ وَالسَّوِيقِ مَا يَنْقُلُهُمَا عَنْ ذَلِكَ. وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي النُّعُومَةِ. ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا. وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُمَا إذَا تَفَاوَتَا فِي النُّعُومَةِ تَفَاوَتَا فِي ثَانِي الْحَالِ، فَيَصِيرُ كَبَيْعِ الْحِنْطَةِ بِالدَّقِيقِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ الدَّقِيقَ يُبَاعُ بِالدَّقِيقِ وَزْنًا. وَلَا وَجْهَ لَهُ، وَقَدْ سَلَّمَ فِي السَّوِيقِ أَنَّهُ يُبَاعُ بِالْكَيْلِ، وَالدَّقِيقُ مِثْلُهُ. فَأَمَّا بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالسَّوِيقِ، فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ.

وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَجْزَاءُ حِنْطَةٍ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ، فَأَشْبَهَ الدَّقِيقَ بِالدَّقِيقِ، وَالسَّوِيقَ بِالسَّوِيقِ. وَلَنَا، أَنَّ النَّارَ قَدْ أَخَذَتْ مِنْ أَحَدِهِمَا، فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ، كَالْمَقْلِيَّةِ بِالنِّيئَةِ.

وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ، وَأَبِي ثَوْرٍ، أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الدَّقِيقِ بِالسَّوِيقِ مُتَفَاضِلًا؛ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ. وَلَنَا، أَنَّهُمَا أَجْزَاءُ جِنْسٍ وَاحِدٍ، فَلَمْ يَجُزْ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا، كَالدَّقِيقِ مَعَ الدَّقِيقِ، وَالسَّوِيقِ بِالسَّوِيقِ.

[فَصْلٌ بَيْعُ مَا فِيهِ غَيْرُهُ كَالْخُبْزِ وَالنَّشَاءِ]

(٢٨٢٥) فَصْلٌ: فَأَمَّا مَا فِيهِ غَيْرُهُ، كَالْخُبْزِ، وَغَيْرِهِ، فَهُوَ نَوْعَانِ؛ أَحَدُهُمَا، أَنْ يَكُونَ مَا فِيهِ مِنْ غَيْرِهِ غَيْرَ مَقْصُودٍ فِي نَفْسِهِ، إنَّمَا جُعِلَ فِيهِ لِمَصْلَحَتِهِ، كَالْخُبْزِ وَالنَّشَاءِ، فَيَجُوزُ بَيْعُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنَوْعِهِ، إذَا تَسَاوَيَا فِي النُّشَافَةِ وَالرُّطُوبَةِ. وَيُعْتَبَرُ التَّسَاوِي فِي الْوَزْنِ؛ لِأَنَّهُ يُقَدَّرُ بِهِ فِي الْعَادَةِ، وَلَا يُمْكِنُ كَيْلُهُ.

وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا تَحَرَّى أَنْ يَكُونَ مِثْلًا بِمِثْلٍ، فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يُوزَنْ. وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ. وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: لَا بَأْسَ بِهِ قُرْصًا بِقُرْصَيْنِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ بِحَالٍ، إلَّا أَنْ يَيْبَسَ، وَيُدَقُّ دَقًّا نَاعِمًا، وَيُبَاعَ بِالْكَيْلِ، فَفِيهِ قَوْلَانِ؛ لِأَنَّهُ مَكِيلٌ يَجِبُ التَّسَاوِي فِيهِ، وَلَا يُمْكِنُ كَيْلُهُ، فَتَعَذَّرَتْ الْمُسَاوَاةُ فِيهِ، وَلِأَنَّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ بِهِ، كَالْمَغْشُوشِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَغَيْرِهِمَا.

وَلَنَا، عَلَى وُجُوبِ التَّسَاوِي، أَنَّهُ مَطْعُومٌ مَوْزُونٌ، فَحَرُمَ التَّفَاضُلُ فِيهِمَا، كَاللَّحْمِ، وَاللَّبَنِ، وَمَتَى وَجَبَ التَّسَاوِي، وَجَبَتْ مَعْرِفَةُ حَقِيقَةِ التَّسَاوِي فِي الْمِعْيَارِ الشَّرْعِيِّ، كَالْحِنْطَةِ بِالْحِنْطَةِ، وَالدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ. وَلَنَا عَلَى الشَّافِعِيِّ، أَنَّ مُعْظَمَ نَفْعِهِ فِي حَالِ رُطُوبَتِهِ، فَجَازَ بَيْعُهُ بِهِ، كَاللَّبَنِ بِاللَّبَنِ. وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مَوْزُونًا، أَصْلُهُ غَيْرُ مَوْزُونٍ، كَاللَّحْمِ، وَالْأَدْهَانِ.

وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الرُّطَبِ بِالْيَابِسِ؛ لِانْفِرَادِ أَحَدِهِمَا بِالنَّقْصِ فِي ثَانِي الْحَالِ، فَأَشْبَهَ الرُّطَبَ بِالتَّمْرِ. وَلَا يَمْنَعُ زِيَادَةَ أَخْذِ النَّارِ مِنْ أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ حَالَ رُطُوبَتِهِمَا إذَا لَمْ يَكْثُرْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَسِيرٌ، وَلَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، أَشْبَهَ بَيْعَ الْحَدِيثَةِ بِالْعَتِيقَةِ. وَلَا يَلْزَمُ مَا فِيهِ مِنْ الْمِلْحِ وَالْمَاءِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ فِيهِ، وَيُرَادُ لِمَصْلَحَتِهِ، فَهُوَ كَالْمِلْحِ فِي الشَّيْرَجِ.

وَإِنْ يَبِسَ

<<  <  ج: ص:  >  >>