للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَشْتَرِي بِهِ، فَإِذَا كَانَ مِنْ فَضْلِ الثَّمَنِ، إلَّا أَنَّ مَنْ ذَهَبَ إلَى ظَاهِرِ الْقِلَادَةِ لَا يَشْتَرِيهِ حَتَّى يَفْصِلَهُ. قِيلَ لَهُ: فَمَا تَقُولُ أَنْتَ؟ قَالَ: هَذَا مَوْضِعُ نَظَرٍ.

وَقَالَ أَبُو دَاوُد: سَمِعْت أَحْمَدَ سُئِلَ عَنْ الدَّرَاهِمِ المسيبية، بَعْضُهَا صُفْرٌ وَبَعْضُهَا فِضَّةٌ، بِالدَّرَاهِمِ؟ قَالَ: لَا أَقُولُ فِيهِ شَيْئًا، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: رَوَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ خَمْسَةَ عَشَرَ نَفْسًا. كُلُّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَفْصِلَ، إلَّا الْمَيْمُونِيَّ. وَنَقَلَ مُهَنَّا كَلَامًا آخَرَ.

وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَأَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ. هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْمُفْرَدُ أَكْثَرَ مِنْ الَّذِي مَعَهُ غَيْرُهُ، أَوْ كَانَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ.

وَقَالَ الْحَسَنُ: لَا بَأْسَ بِبَيْعِ السَّيْفِ الْمُحَلَّى بِالْفِضَّةِ بِالدَّرَاهِمِ. وَبِهِ قَالَ الشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَاحْتَجَّ مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْعَقْدَ إذَا أَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى الصِّحَّةِ، لَمْ يُحْمَلْ عَلَى الْفَسَادِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى لَحْمًا مِنْ قَصَّابٍ، جَازَ مَعَ احْتِمَالِ كَوْنِهِ مَيْتَةً. وَلَكِنْ وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ مُذَكًّى، تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ. وَلَوْ اشْتَرَى مِنْ إنْسَانٍ شَيْئًا، جَازَ، مَعَ احْتِمَالِ كَوْنِهِ غَيْرَ مِلْكِهِ، وَلَا إذْنَ لَهُ فِي بَيْعِهِ، تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ أَيْضًا.

وَقَدْ أَمْكَنَ التَّصْحِيحُ هَاهُنَا، بِجَعْلِ الْجِنْسِ فِي مُقَابَلَةِ غَيْرِ الْجِنْسِ، أَوْ جَعْلِ غَيْرِ الْجِنْسِ فِي مُقَابَلَةِ الزَّائِدِ عَلَى الْمِثْلِ. وَلَنَا، مَا رَوَى فَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: «أُتِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقِلَادَةٍ فِيهَا ذَهَبٌ وَخَرَزٌ، ابْتَاعَهَا رَجُلٌ بِتِسْعَةِ دَنَانِيرَ أَوْ سَبْعَةِ دَنَانِيرَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا، حَتَّى تُمَيِّزَ بَيْنَهُمَا» . قَالَ: فَرَدَّهُ حَتَّى مَيَّزَ بَيْنَهُمَا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَفِي لَفْظٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ. قَالَ: فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالذَّهَبِ الَّذِي فِي الْقِلَادَةِ فَنُزِعَ وَحْدَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ» .

وَلِأَنَّ الْعَقْدَ إذَا جَمَعَ عِوَضَيْنِ مُخْتَلِفَيْ الْجِنْسِ، وَجَبَ أَنْ يَنْقَسِمَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، عَلَى قَدْرِ قِيمَةِ الْآخَرِ فِي نَفْسِهِ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ الْقِيمَةُ اخْتَلَفَ مَا يَأْخُذُهُ مِنْ الْعِوَضِ. بَيَانُهُ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى عَبْدَيْنِ، قِيمَةُ أَحَدِهِمَا مِثْلُ نِصْفِ قِيمَةِ الْآخَرِ بِعَشَرَةٍ، كَانَ ثَمَنُ أَحَدِهِمَا ثُلُثَيْ الْعَشَرَةِ، وَالْآخَرِ ثُلُثَهَا، فَلَوْ رَدَّ أَحَدَهُمَا بِعَيْبٍ، رَدَّهُ بِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَلِذَلِكَ إذَا اشْتَرَى شِقْصًا وَسَيْفًا بِثَمَنٍ أَخَذَ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ بِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ، فَإِذَا فَعَلْنَا هَذَا فِي مَنْ بَاعَ دِرْهَمًا وَمُدًّا قِيمَتُهُ دِرْهَمَانِ، بِمُدَّيْنِ قِيمَتُهُمَا ثَلَاثَةٌ، حَصَلَ الدِّرْهَمُ فِي مُقَابِلَةِ ثُلُثَيْ مُدٍّ.

وَالْمُدُّ الَّذِي مَعَ الدِّرْهَمِ فِي مُقَابَلَةِ مُدٍّ وَثُلُثٍ، فَهَذَا إذَا تَفَاوَتَتْ الْقِيَمُ، وَمَعَ التَّسَاوِي يُجْهَلُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّقْوِيمَ ظَنٌّ وَتَخْمِينٌ، وَالْجَهْلُ بِالتَّسَاوِي كَالْعِلْمِ بِعَدَمِهِ فِي بَابِ الرِّبَا، وَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ صُبْرَةٍ بِصُبْرَةٍ، بِالظَّنِّ وَالْخَرْصِ. وَقَوْلُهُمْ: يَجِبُ تَصْحِيحُ الْعَقْدِ. لَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ يُحْمَلُ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ مِنْ صِحَّةٍ وَفَسَادٍ. وَلِذَلِكَ لَوْ بَاعَ بِثَمَنٍ وَأَطْلَقَ، وَفِي الْبِلَادِ نُقُودٌ بَطَلَ، وَلَمْ يُحْمَلْ عَلَى نَقْدِ أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>