للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَغْشُوشًا بِمِثْلِهِ وَالْغِشُّ فِيهِمَا مُتَفَاوِتٌ، أَوْ غَيْرُ مَعْلُومِ الْمِقْدَارِ، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالتَّمَاثُلِ الْمَقْصُودِ. وَإِنْ عُلِمَ التَّسَاوِي فِي الذَّهَبِ وَالْغِشِّ الَّذِي فِيهِمَا، خُرِّجَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ، أَوْلَاهُمَا الْجَوَازُ؛ لِأَنَّهُمَا تَمَاثَلَا فِي الْمَقْصُودِ وَفِي غَيْرِهِ، وَلَا يُفْضِي إلَى التَّفَاضُلِ بِالتَّوْزِيعِ بِالْقِيمَةِ؛ لِكَوْنِ الْغِشِّ غَيْرَ مَقْصُودٍ، فَكَأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهُ.

(٢٨٤٠) فَصْلٌ: وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ دِرْهَمًا، فَقَالَ: أَعْطِنِي بِنِصْفِ هَذَا الدِّرْهَمِ نِصْفَ دِرْهَمٍ، وَبِنِصْفِهِ فُلُوسًا، أَوْ حَاجَةً أُخْرَى. جَازَ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى نِصْفًا بِنِصْفِ، وَهُمَا مُتَسَاوِيَانِ، فَصَحَّ، كَمَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ دِرْهَمَيْنِ، وَقَالَ: بِعْنِي بِهَذَا الدِّرْهَمِ فُلُوسًا، وَأَعْطِنِي بِالْآخَرِ نِصْفَيْنِ.

وَإِنْ قَالَ: أَعْطِنِي بِهَذَا الدِّرْهَمِ نِصْفًا وَفُلُوسًا. جَازَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُفْضِي إلَى التَّفَاضُلِ بِالتَّوْزِيعِ بِالْقِيمَةِ؛ فَإِنَّ قِيمَةَ النِّصْفِ الَّذِي فِي الدِّرْهَمِ، كَقِيمَةِ النِّصْفِ الَّذِي مَعَ الْفُلُوسِ يَقِينًا، وَقِيمَةُ الْفُلُوسِ، كَقِيمَةِ النِّصْفِ الْآخَرِ، سَوَاءً.

[فَصْلٌ بَيْعُ مَا كَانَ مُشْتَمِلًا عَلَى جِنْسَيْنِ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ]

(٢٨٤١) فَصْلٌ وَمَا كَانَ مُشْتَمِلًا عَلَى جِنْسَيْنِ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ، كَالتَّمْرِ الَّذِي اشْتَمَلَ عَلَى النَّوَى وَمَا عَلَيْهِ، وَالْحَيَوَانِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى لَحْمٍ وَشَحْمٍ وَغَيْرِهِ، وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ، فَهَذَا إذَا قُوبِلَ بِمِثْلِهِ، جَازَ بَيْعُهُ بِهِ، وَلَا نَظَرَ إلَى مَا فِيهِ، فَإِنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجَازَ بَيْعَ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ، وَالْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ» .

وَقَدْ عَلِمَ اشْتِمَالَهُمَا عَلَى مَا فِيهِمَا، وَلَوْ بَاعَ ذَلِكَ بِنَوْعٍ غَيْرِ مَقْصُودٍ فِيهِ، كَبَيْعِ التَّمْرِ الَّذِي فِيهِ النَّوَى بِالنَّوَى، فَفِيهِ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ، قَدْ ذَكَرْنَاهُمَا فِيمَا مَضَى، فَأَمَّا الْعَسَلُ قَبْلَ تَصْفِيَتِهِ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا: لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ؛ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى عَسَلٍ وَشَمْعٍ، وَذَلِكَ بِفِعْلِ النَّحْلِ فَأَشْبَهَ السَّيْفَ الْمُحَلَّى.

[فَصْلٌ الرِّبَا فِي دَارِ الْحَرْبِ]

(٢٨٤٢) فَصْلٌ: وَيَحْرُمُ الرِّبَا فِي دَارِ الْحَرْبِ، كَتَحْرِيمِهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجْرِي الرِّبَا بَيْنَ مُسْلِمٍ وَحَرْبِيٍّ فِي دَارِ الْحَرْبِ.

وَعَنْهُ فِي مُسْلِمَيْنِ أَسْلَمَا فِي دَارِ الْحَرْبِ، لَا رِبَا بَيْنَهُمَا. لِمَا رَوَى مَكْحُولٌ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا رِبَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الْحَرْبِ فِي دَارِ الْحَرْبِ» . وَلِأَنَّ أَمْوَالَهُمْ مُبَاحَةُ، وَإِنَّمَا حَظَرَهَا الْأَمَانُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، فَمَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَانَ مُبَاحًا. وَلَنَا، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥] . وَقَوْلُهُ: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة: ٢٧٥] .

وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٨] . وَعُمُومُ الْأَخْبَارِ يَقْتَضِي تَحْرِيمَ التَّفَاضُلِ. وَقَوْلُهُ: «مَنْ زَادَ أَوْ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى» . عَامٌّ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَحَادِيثِ. وَلِأَنَّ مَا كَانَ مُحَرَّمًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَانَ مُحَرَّمًا فِي دَارِ الْحَرْبِ، كَالرِّبَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَخَبَرُهُمْ مُرْسَلٌ لَا نَعْرِفُ صِحَّتَهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ مَا وَرَدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>