للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اسْتَوْفِ حَقَّك مِنْهُ. فَاسْتَوْفَاهُ بَعْدَ يَوْمَيْنِ، جَازَ. وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَنَانِيرُ، فَوَكَّلَ غَرِيمَهُ فِي بَيْعِ دَارِهِ، وَاسْتِيفَاءِ حَقِّهِ مِنْ ثَمَنِهَا، فَبَاعَهَا بِدَرَاهِمَ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا قَدْرَ حَقِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي مُصَارَفَةِ نَفْسِهِ، وَلِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ. وَلَوْ بَاعَ جَارِيَةً بِدَنَانِيرَ، فَأَخَذَ بِهَا دَرَاهِمَ، فَرَدَّتْ الْجَارِيَةُ بِعَيْبٍ أَوْ إقَالَةٍ، لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي إلَّا الدَّنَانِيرُ؛ لِأَنَّهُ الثَّمَنُ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ، وَإِنَّمَا أَخَذَ الدَّرَاهِمَ بِعَقْدِ صَرْفٍ مُسْتَأْنَفٍ. نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى هَذِهِ الْمَسَائِلِ.

[فَصْلٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ فَقَالَ لِغَرِيمِهِ ضَعْ عَنِّي بَعْضَهُ وَأُعَجِّلُ لَك بَقِيته]

(٢٨٥٥) فَصْلٌ: إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ، فَقَالَ لِغَرِيمِهِ: ضَعْ عَنِّي بَعْضَهُ، وَأُعَجِّلُ لَك بَقِيَّتَهُ. لَمْ يَجُزْ. كَرِهَهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَالْمِقْدَادُ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَسَالِمٌ، وَالْحَسَنُ، وَحَمَّادٌ، وَالْحَكَمُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَهُشَيْمٌ، وَابْنُ عُلَيَّةَ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ الْمِقْدَادُ لِرَجُلَيْنِ فَعَلَا ذَلِكَ: كِلَاكُمَا قَدْ آذَنَ بِحَرْبِ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ لَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ النَّخَعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ؛ لِأَنَّهُ آخِذٌ لِبَعْضِ حَقِّهِ، تَارِكٌ لِبَعْضِهِ، فَجَازَ، كَمَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا.

وَقَالَ الْخِرَقِيِّ: لَا بَأْسَ أَنْ يُعَجِّلَ الْمُكَاتَبُ لِسَيِّدِهِ، وَيَضَعَ عَنْهُ بَعْضَ كِتَابَتِهِ. وَلَنَا أَنَّهُ بَيْعُ الْحُلُولِ، فَلَمْ يَجُزْ، كَمَا لَوْ زَادَهُ الَّذِي لَهُ الدَّيْنُ، فَقَالَ لَهُ: أُعْطِيك عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَتُعَجِّلُ لِي الْمِائَةَ الَّتِي عَلَيْك. فَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَإِنَّ مُعَامَلَتَهُ مَعَ سَيِّدِهِ، وَهُوَ يَبِيعُ بَعْضَ مَالِهِ بِبَعْضٍ، فَدَخَلَتْ الْمُسَامَحَةُ فِيهِ. وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ لِلْعِتْقِ، فَسُومِحَ فِيهِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ.

[مَسْأَلَةٌ إنْ كَانَ الْعَيْبُ دَخِيلًا عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ كَانَ الصَّرْفُ فِيهِ فَاسِدًا]

(٢٨٥٦) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ (فَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ دَخِيلًا عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، كَانَ الصَّرْفُ فِيهِ فَاسِدًا) يَعْنِي إذَا وَجَدَ أَحَدُهُمَا مَا قَبَضَهُ مَغْشُوشًا بِغِشٍّ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، فَيَنْظُرُ فِيهِ؛ فَإِنْ كَانَ الصَّرْفُ عَيْنًا بِعَيْنٍ، فَهُوَ فَاسِدٌ؛ لِمَا أَسْلَفْنَاهُ. وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عَيْنٍ، وَعَلِمَ ذَلِكَ فِي الْمَجْلِسِ، فَرَدَّهُ، وَأَخَذَ بَدَلَهُ، فَالصَّرْفُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَإِنْ افْتَرَقَا قَبْلَ رَدِّهِ، فَالصَّرْفُ فِيهِ فَاسِدٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُمَا تَفَرَّقَا قَبْلَ قَبْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَقْبِضْ مَا يَصْلُحُ عِوَضًا عَنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ. وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ.

وَقِيلَ عَنْ أَحْمَدَ: إنَّهُ إذَا أَخَذَ الْبَدَلَ فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ، لَمْ يَبْطُلْ، كَمَا لَوْ كَانَ الْعَيْبُ مِنْ جِنْسِهِ. وَهَذَا فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُشْتَرِي الْمَعِيبِ عَالِمًا بِعَيْبِهِ، فَأَمَّا إنَّ عَلِمَ بِعَيْبِهِ، فَاشْتَرَاهُ عَلَى ذَلِكَ، وَالْعَيْبُ مِنْ جِنْسِهِ، جَازَ، وَلَا خِيَارَ لَهُ، وَلَا بَدَلَ. وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، وَكَانَ الصَّرْفُ ذَهَبًا بِذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةً بِمِثْلِهَا، فَالصَّرْفُ فِيهِ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالتَّمَاثُلِ، إلَّا أَنْ يَبِيعَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً مَغْشُوشًا بِمِثْلِ غِشِّهِ، كَبَيْعِهِ دِينَارًا صُورِيًّا بِمِثْلِهِ، مَعَ عِلْمِهِ بِتَسَاوِي غِشِّهِمَا، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الظَّاهِرَ جَوَازُهُ.

وَإِنْ بَاعَ مَغْشُوشًا بِغَيْرِ مَغْشُوشٍ، لَمْ يَجُزْ، إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْغِشِّ قِيمَةٌ، فَيُخَرَّجُ عَلَى مَسْأَلَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ. وَإِنْ كَانَ الصَّرْفُ فِي جِنْسَيْنِ، كَذَهَبٍ بِفِضَّةٍ، انْبَنَى عَلَى إنْفَاقِ الْمَغْشُوشَةِ.

[فَصْلٌ إنْفَاقُ الْمَغْشُوشِ مِنْ النُّقُودِ]

(٢٨٥٧) فَصْلٌ: وَفِي إنْفَاقِ الْمَغْشُوشِ مِنْ النُّقُودِ رِوَايَتَانِ؛

<<  <  ج: ص:  >  >>