للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَيَسْتَحِلَّنَّ قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا» .

وَمِنْ الْحِيَلِ فِي غَيْرِ الرِّبَا، أَنَّهُمْ يَتَوَصَّلُونَ إلَى بَيْعِ الشَّيْءِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، أَنْ يَسْتَأْجِرَ بَيَاضَ أَرْضِ الْبُسْتَانِ بِأَمْثَالِ أُجْرَتِهِ، ثُمَّ يُسَاقِيهِ عَلَى ثَمَرِ شَجَرِهِ بِجُزْءٍ مِنْ أَلْفِ جُزْءٍ لِلْمَالِكِ، وَتِسْعُمِائَةِ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ لِلْعَامِلِ، وَلَا يَأْخُذُ مِنْهُ الْمَالِكُ شَيْئًا، وَلَا يُرِيدُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا قَصَدَ بَيْعَ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا بِمَا سَمَّاهُ أُجْرَةً، وَالْعَامِلُ لَا يَقْصِدُ أَيْضًا سِوَى ذَلِكَ، وَرُبَّمَا لَا يَنْتَفِعُ بِالْأَرْضِ الَّتِي سَمَّى الْأُجْرَةَ فِي مُقَابَلَتِهَا، وَمَتَى لَمْ يَخْرُجْ الثَّمَرُ، أَوْ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ، جَاءَ الْمُسْتَأْجِرُ يَطْلُبُ الْجَائِحَةَ، وَيَعْتَقِدُ أَنَّهُ إنَّمَا بَذَلَ مَالَهُ فِي مُقَابَلَةِ الثَّمَرَةِ لَا غَيْرُ، وَرَبُّ الْأَرْضِ يَعْلَمُ ذَلِكَ.

[فَصْلٌ اشْتَرَى شَيْئًا بِمُكَسَّرَةِ]

(٢٨٦٢) فَصْلٌ: وَلَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِمُكَسَّرَةٍ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يُعْطِيَهُ صَحِيحًا أَقَلَّ مِنْهَا. قَالَ أَحْمَدُ: هَذَا هُوَ الرِّبَا الْمَحْضُ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ عِوَضَ الْفِضَّةِ أَقَلَّ مِنْهَا، فَيَحْصُلُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا. وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِصَحِيحٍ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يُعْطِيَهُ مُكَسَّرَةً أَكْثَرَ مِنْهَا كَذَلِكَ. فَإِنْ تَفَاسَخَا الْبَيْعَ، ثُمَّ عَقَدَا بِالصِّحَاحِ، أَوْ بِالْمُكَسَّرَةِ جَازَ.

وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا بِنِصْفِ دِينَارٍ، لَزِمَهُ نِصْفُ دِينَارٍ شِقٍّ، فَإِنْ عَادَ فَاشْتَرَى شَيْئًا آخَرَ بِنِصْفٍ آخَرَ لَزِمَهُ نِصْفُ شِقٍّ أَيْضًا، فَإِنْ وَفَّاهُ دِينَارًا صَحِيحًا، بَطَلَ الْعَقْدُ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ تَضَمَّنَ اشْتِرَاطَ زِيَادَةِ ثَمَنِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ لُزُومِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ، بَطَلَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ مَا يُفْسِدُهُ قَبْلَ انْبِرَامِهِ. وَإِنْ كَانَ بَعْدَ تَفَرُّقِهِمَا فَلُزُومِهِ، لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ فِيهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ ثَمَنِهِ الَّذِي عَقَدَ الْبَيْعَ بِهِ. وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا كَمَا ذَكَرْنَا.

[فَصْلٌ لَهُ عِنْدَ رَجُلٍ دِينَارٌ وَدِيعَةً فَصَارَفَهُ بِهِ وَهُوَ مَعْلُومٌ بَقَاؤُهُ أَوْ مَظْنُونٌ]

(٢٨٦٣) فَصْلٌ: إذَا كَانَ لَهُ عِنْدَ رَجُلٍ دِينَارٌ وَدِيعَةً، فَصَارَفَهُ بِهِ، وَهُوَ مَعْلُومٌ بَقَاؤُهُ، أَوْ مَظْنُونٌ، صَحَّ الصَّرْفُ. وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ غَيْرُ مَوْجُودٍ، لَمْ يَصِحَّ الصَّرْفُ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمَعْدُومِ. وَإِنْ شَكَّ فِيهِ فَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَصِحُّ. وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْلُومِ الْبَقَاءِ. وَهُوَ مَنْصُوصُ الشَّافِعِيِّ.

وَوَجْهُ الْأَوَّلِ، أَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ، فَصَحَّ الْبِنَاءُ عَلَيْهِ عِنْدَ الشَّكِّ، فَإِنَّ الشَّكَّ لَا يُزِيلُ الْيَقِينَ؛ وَلِذَلِكَ صَحَّ بَيْعُ الْحَيَوَانِ الْغَائِبِ الْمَشْكُوكِ فِي حَيَاتِهِ، فَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ تَالِفًا حِينَ الْعَقْدِ، تَبَيَّنَّا أَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ بَاطِلًا.

[فَصْلٌ بَيْعُ تُرَابِ الصَّاغَةِ وَالْمَعْدِنِ بِشَيْءِ مِنْ جِنْسِهِ]

(٢٨٦٤) فَصْلٌ: وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ تُرَابِ الصَّاغَةِ وَالْمَعْدِنِ بِشَيْءٍ مِنْ جِنْسِهِ؛ لِأَنَّهُ مَالُ رِبًا بِيعَ بِجِنْسِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا تُعْلَمُ الْمُمَاثَلَةُ بَيْنَهُمَا، فَلَمْ يَصِحَّ، كَبَيْعِ الصُّبْرَةِ بِالصُّبْرَةِ. وَإِنْ بِيعَ بِغَيْرِ جِنْسِهِ، فَحَكَى ابْنُ

<<  <  ج: ص:  >  >>