للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدِهِمَا، أَنَّ غَيْرَهَا لَا يُسَاوِيهَا فِي كَثْرَةِ الِاقْتِيَاتِ بِهَا، وَسُهُولَةِ خَرْصِهَا، وَكَوْنِ الرُّخْصَةِ فِي الْأَصْلِ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ حَاجَتُهُمْ إلَى الرُّطَبِ دُونَ غَيْرِهِ.

الثَّانِي، أَنَّ الْقِيَاسَ لَا يُعْمَلُ بِهِ إذَا خَالَفَ نَصًّا، وَقِيَاسُهُمْ يُخَالِفُ نُصُوصًا غَيْرَ مَخْصُوصَةٍ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْمَحِلِّ الْمَخْصُوصِ، «وَنَهْيُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ» لَمْ يَدْخُلْهُ تَخْصِيصٌ فَيُقَاسُ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الثِّمَارِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ]

[مَسْأَلَةٌ وَمَنْ بَاعَ نَخْلًا مُؤَبَّرًا]

[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ الْبَيْعَ مَتَى وَقَعَ عَلَى نَخْلٍ مُثْمِرٍ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الثَّمَرَةَ وَكَانَتْ مُؤَبَّرَةً]

بَابُ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ (٢٨٧٥) مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ، - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَمَنْ بَاعَ نَخْلًا مُؤَبَّرًا، وَهُوَ مَا قَدْ تَشَقَّقَ طَلْعُهُ، فَالثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ مَتْرُوكَةً فِي النَّخْلِ إلَى الْجِزَازِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهَا الْمُبْتَاعُ) . أَصْلُ

الْإِبَارِ عِنْد أَهْل الْعِلْمِ: التَّلْقِيحُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إلَّا أَنَّهُ لَا يَكُونُ حَتَّى يَتَشَقَّقَ الطَّلْعُ، وَتَظْهَرَ الثَّمَرَةُ، فَعُبِّرَ بِهِ عَنْ ظُهُورِ الثَّمَرَةِ؛ لِلُزُومِهِ مِنْهُ. وَالْحُكْمُ مُتَعَلِّقٌ بِالظُّهُورِ، دُونَ نَفْسِ التَّلْقِيحِ، بِغَيْرِ اخْتِلَافٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، يُقَالُ: أَبَّرْت النَّخْلَةَ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ، فَهِيَ مُؤَبَّرَةٌ وَمَأْبُورَةٌ. وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خَيْرُ الْمَالِ سِكَّةٌ مَأْبُورَةٌ.» وَالسِّكَّةُ: النَّخْلُ الْمَصْفُوفُ. وَأَبَّرْت النَّخْلَةَ آبُرُهَا أَبْرًا، وَإِبَارًا، وَأَبَرَّتْهَا تَأْبِيرًا، وَتَأَبَّرَتْ النَّخْلَةُ، وَائْتَبَرَتْ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

تَأَبَّرِي يَا خِيرَةَ الْفَسِيلِ

وَفَسَّرَ الْخِرَقِيِّ الْمُؤَبَّرَ بِمَا قَدْ تَشَقَّقَ طَلْعُهُ؛ لِتَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِذَلِكَ، دُونَ نَفْسِ التَّأْبِيرِ. قَالَ الْقَاضِي: وَقَدْ يَتَشَقَّقُ الطَّلْعُ بِنَفْسِهِ فَيَظْهَرُ، وَقَدْ يَشُقُّهُ الصِّعَادُ فَيَظْهَرُ. وَأَيُّهُمَا كَانَ فَهُوَ التَّأْبِيرُ الْمُرَادُ هَاهُنَا.

وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فُصُولٌ ثَلَاثَةٌ: (٢٨٧٦) الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّ الْبَيْعَ مَتَى وَقَعَ عَلَى نَخْلٍ مُثْمِرٍ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ الثَّمَرَةَ، وَكَانَتْ الثَّمَرَةُ مُؤَبَّرَةً، فَهِيَ لِلْبَائِعِ. وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُؤَبَّرَةٍ، فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَاللَّيْثُ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: هِيَ لِلْمُشْتَرِي فِي الْحَالَيْنِ؛ لِأَنَّهَا مُتَّصِلَةٌ بِالْأَصْلِ اتِّصَالَ خِلْقَةٍ، فَكَانَتْ تَابِعَةً لَهُ، كَالْأَغْصَانِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالْأَوْزَاعِيُّ: هِيَ لِلْبَائِعِ فِي الْحَالَيْنِ؛ لِأَنَّ هَذَا نَمَاءٌ لَهُ حَدٌّ، فَلَمْ يَتْبَعْ أَصْلَهُ فِي الْبَيْعِ، كَالزَّرْعِ فِي الْأَرْضِ. وَلَنَا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ ابْتَاعَ نَخْلًا بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ، فَثَمَرَتُهَا لِلَّذِي بَاعَهَا، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَهَذَا صَرِيحٌ فِي رَدِّ قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَحُجَّةٌ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>